music

الأربعاء، 24 أبريل 2024

حكاية الأستاذ جميل

 

من المضايقات التى كانت تثقل حياتى وتسبب لى إحساسا بالكآبة والمتاعب الكثيرة ، الثقة المفرطة فى الناس وخاصة إذا ماوثقت فى أحد لم يكن مؤهلا لهذه الثقة ، ولكن تعزيتى فى ذلك هى أننى لا أحمل إلا وجها واحدا ، ولاأملك سوى المشاعر الطيبة فحسب ، وأصدق كل مايقال لى ، وإن كانت هذه الصفات هى صفات حميدة فى ذاتها إلا أنها لم نجد لها صدى فى عالمنا اليوم ، فليست كل المشاعر طيبة ، وليس كل مايقال نصدقه ، وإنه يتعين علينا إن كنا نريد أن نكسب ماحولنا فعلينا أن نحمل عدة وجوه ونتلون بلون كل شخصية من الشخصيات التى تصادف حياتنا ونقابلها كى نستطيع أن نتعامل مع الناس بإرياحية ، والذى يغيظ فى ذلك هو أن هذا الأسلوب هو السائد والمستحب لمعظم الناس بكل أسف ، وأن طيبة القلب أصبحت تتصف بالبلاهة والعبط ، والذى يغيظك أكثر أنك لاتستطيع أن تعرف بسهولة الشخوص الخبيثة من بين هؤلاء .. فهى أصبحت من الدهاء والمكر مايجعلك تثق فيهم ثقة عمياء ، ثم تجد بمرور الوقت والعشرة مايحيرك فى تصرفاتهم أو من فلتات السنتهم ما تحمله من أكاذيب وافتراءات تجعلك تتنبه أن هناك ثمة شيئ لاتتبينه وتقف أمامه كثيرا حائراغير مصدق وقد تجرك  هذه الشكوكك لفترات طويلة حتى تكتشف أنك كنت مخطئا فى تقديرك لهم ، وأنك كنت ساذجا فى مشاعرك إلى حد البلاهة والحماقة، وأن إحساسك مازال يغض فى ثباته العميق أو فى غيبوبة تصديقهم ، حتى يأتى اليوم لتجدنفسك فيه أنه تم التلاعب بك  بألاعيب ممنهجة. وهناك مقولة جميلة جدا أعجبتنى تقول " اختر  من تزرعهم فى قلبك بدقة  لأن اختيار البذور أسهل بكثير من اقتلاع الجذور " إننى لست حزينا ولا آسفا على اقتلاع هؤلاء من حياتى .. بالعكس .. إننى أحس براحة غريبة وأعصاب هادئة ، فبالرغم أنه ليس هناك أبغض على الإنسان من معرفة حقيقة لايرغب فى  تصدقها لتفادى مرارة صدمتها ، ولكن ليس أهون  من العيش على التعللات بالباطل والتعلق بالترهات . لأن الحقيقة إذا ظهرت على الأقل لن نجدها تحمل تمويها ولازيفا ، لتجلو صورة أى شخص خُدعنا فيه حتى نراه على حقيقته العارية محتالا ومنافقا.. وأن  هيئته ماهى إلامجرد دسيسة كبيرة لمشاعرباطلة استطاعت الأيام فى النهاية أن تكشفها رغم إجادة صاحبها فى التخفى ، لنعود ونلوم أنفسنا أننا عشنا فى رحاها  سنوات نحيا تضليله لنا ، ولكن رغم ذلك نشعر بسكينة وراحة أن الله منَّ علينا باكتشافه ، لأنه ليس فى بقية أعمارنا أوقات مؤجلة لكى نفهم  أكثر ونعى أكثر مما فهمناه  وواعيناه.                                                                                                                                  

                                                                       

وكنت قد كتبت قبل ذلك أن  فكرة الكتابة عندى تنبع من فكرة لامن شخوص ، وكتبت كثيرا عن أفكار مختلفة  كنت أرى إنها تستحق الكتابة ، ولكن عندما كنت أكتب عن شخوص  كنت قاصدا إياها وماكنت ألجأ إليها  إلا قليلا  لأسباب فى الغالب كانت ملحة وتستوجب ذلك  ، ربما كان أساسها هو ماتربيت عليه من ترسيخ مبدأ الأخلاقيات الذى تربيت عليه  كمنهج  ودستورحياة ، وهو ماشكل فى النهاية الأسلوب الذى انبنت عليه تركيبة شخصيتى ، والتى من قواعدها الأساسية أنها تحترم الصغير وتوقر الكبير ولاتقف عند صغائر الناس ، لذلك لم تكن الكتابة عن شخوص عندى  إلا لشيئين أثنين فقط : أولهما للذين لهم منى كل التقدير والاحترام الذى يليق بدورهم فى حياتى بما انعكس عليها من جوانب إيجابية ساهمت إلى حد كبيرفى اتزان  ونزاهة شخصيتى أنها حظيت بكل تقدير واحترام الأخرين ، وثانيهما : للذين كانوا مبعث شقائى وسببوا لى قدرا كبيرا  من التعاسة وماترتب عليها من خسائر نفسية ومادية . والكتابة عن هؤلاء لم تكن تشفيا فيهم فطبيعتى ترفض فكرة الإنتقام من أحد أيا كانت صورته  حتى ولو بالكتابة عنهم  . ولكن عندما تصادفك شخصية سفيهة مثل شخصية الأستاذ جميل ذات دلالات واضحة على وجود تركيبة نفسية معقدة وسيكوباتية .. مغايرة تماما لكل أنواع التعامل الإنسانى المتزن  فى الشكل والمضمون ، تجد أن الأمر حتما يستحق الدراسة ويستوجب الكتابة عنه. فكلامه لايدل على مايضمره داخله .. مخلوق ينطوى على سره الذى لايعرفه غيره ..لديه ذكاء خارق فى كيفية التخفى وراء أستار طيبة النفس .. يظهر للناس على كل مايتصف به الجود والكرم .. طبيعته أملودية ناعمة .. لينة التطويع فيعرف كيف يجارى الناس .. وكيف يستخلص المواقف منهم حتى يتمكن من الوصول إلى مبتغاه الذى يريده..إنه كان يخفى وراء شكله المريئ المستحب وجها آخر قبيحا  لايعرف سوى  الكذب  والخداع والتدليس .. يغلظ أيمانات الله أنه على حق وهى أيمانات فاجرة ، لأن الله يعلم أنه لكاذب .. أعجزه شيطانه أن يبدى ندما  أويشعر بوخز من ضميرعند تسببه فى إضرار الأخرين مثلما فعل معى على غير المتوقع وعلى غير  الذى كنت أراه من قبل . ومن عجيب الأمر أننى فكرت كثيرا قبل ذلك  فى الكتابة عنه ليس بمنظور اليوم ولكن بفكر البارحة عندما كنت أراه شخصية من الشخصيات المحورية  المحترمة التى أثرت حياتى إذ أنهاكانت تمثل لى حينذاك  إضافة كبيرة مثل الذى كتبته عن أمى وأبى ، ولكن كلما كنت أشرع فى الكتابة  تتوه منى الكلمات بل وتبدو وكأنها تنمحى من ذهنى تماما ويستوقفنى هاجس لم أتبينه  فى حينه  ولم أعرف له سببا ولا من أين جاء مصدره  ، ليأتى اليوم الذى أكتب فيه عنه عكس ماكنت أريده  قبل ذلك .. سبحانه مغير الأحوال ..وأكتشف سر هذا الهاجس ، وأعرف بعد كل هذا العمر الذى تجاوز عقوده الخمسة ، وبعد مرور زمن ليس بالقليل من  صداقتى له  أن شخصيته معقدة الدواخل يشوبها الكثير على المستويين الأخلاقى والإنسانى ، أخذتها أطماع الدنيا ونسيت أن الرزق بيد الله وحده .. يعطيه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء.                                                             

    

لنعد لمستخلصات القصة ذاتها ، كان الاستاذ جميل بالأمس يواجه  تحديات الجوع والصعلكة واليوم وضع نفسه أمام تحديات الثراء الواهم الذى خلق منه  أسطورة لايكاد يراها إلا داخل نفسه .. سطت عليه حتى تملكته ولايكاد يصدق غيرها .. أنه اختط شكلا جديدا لحياته ليبعث فى نفسه ثقة من اختلاقه حتى يقنع نفسه أنه ليس أقل من زوجته التى كانت أفضل منه بكثير ثقافة وعلما ووظيفة مرموقة ، فهولم يستطع مسايرتها فى شيئ .. راتبه من وظيفته كمدرس لم يكمل تعليمه العالى لايتجاوز ربع ماكانت تتقاضاه ، فاتجه إلى ماارتضاه لنفسه حتى يعوض هذا العارض الفج ، فكانت هذه الشخصية المهلهلة ، وهو الأن فى السبعين من عمره ، لم يحاول أن يصحح نفسه احتراما وتقديرا لسنه ومكانته الزائفة التى كان يريد أن يصورها للناس .. لأن صورته الحقيقية تكاد تهتز بعنف حيث تكالب عليها الزمن وهو على ماهو عليه من تخبط وأذى .. إنه يحب ألا يراها، ولكنه كان يتفنن فى وضع الرتوش لها لتراها الناس على غير الحقيقة  تماما مثلما كنت أراها وكما يراها الناس . أعطيته مكافأة نهاية خدمتى بلا تفكير ودون وعى وهوكل ماأملك من مال ولم أفكر حتى فى استشارة أحد .. إنه سلبنى حق التصرف فى مالى.. والكل حذرنى حذار من جنون تصديقى له . فى الوقت التى كانت فيه ظروف البلد تبدو عليها علامات استفهام مختنقة ومهرولة .. وبعد سنوات خمس كاملة مضت .. الأموال متوقفة تماما بل كانت تفقد قيمتها كل يوم .. والدنيا تدور بقوة من تحت أقدامنا  ..كل شيئ يتبدل بسرعة مخيفة ، كيف يمكننى اللحاق بمستوى أفضل لى ولأولادى وأنا فى وضع الثبات منكبا على وجهى وكأن الدنيا غشيتنى ، فالواضح أمامى أن الإيقاع يتضاعف والجنون لازال يتفشى فى كل شيئ . لقد أختلت الأمور  ولم استطع رؤية واضحة أمامى ولا حولى وكنت أعنف نفسى  بشدة عندما كنت أعود وأتذكر ثقتى المفرطة فى تعاملاتى معه إذ أننى لم أكن على دراية بمدى سذاجتى ، ولم أتنبه لكيفية استغلاله لها فى عمليات نصب واحتيال ..أتذكر كم التحذيرات التى قيلت فى أقوال الأشخاص حولى من أهل بيتى وأصدقائى على خلفية هذا ولم أع ذلك .. ولم أدركه  فى حينه .. كأن أحاطنى سياج غريب احتوانى وفصلنى عن عالم تحيطه المخاطر من كل جانب واتجاه .. كيف عاد إلى ذهنى كل خواطر الباطن دفعة واحدة وتجسدت فى رأسى الذى أصابه الخرس ، مددت يدى عليه مسحا ، إنه لم يعد هناك أى مجال  للتفكير ، وجعلت أتأمل الهرب منه فكنت أقع فيه أكثر .. الأيام تمر وأنا لازلت أتفرس الوجوه من حولى أنظر إليهم  متسائلا بدهشة وإنكار : أين أيام زمان  و أخلاق زمان عندما كنا نتعامل بسجايانا الكل فيه يعلم مايدور فى خلد الأخر .  ياله من زمن عجيب أشعر وكأننى كنت فى غيبوبة ، ثم بعد إفاقتى وعيت وتفصحت تماما مكنون هذه التركيبة البشرية العجيبة وقدانجلت عنها صورتها المزورة  وإن شئت قل "بعد خراب مالطة". إننى أبدو وكأننى لم أكن  أعى شيئا عن هذه الهيئةالمنخدعة التى تبدو  مهندمة ، ثم وعيت وعرفت تفصيلات أظهرتها شواهد كثيرة .. وعلمت كيف كانت تحكمها عقلية تستطيع الإحتواء وتعرف كيف تستدرج مشاعر الأخرين وتجعلها فى حوزتها ، بل وتقدم لك خدماتها الجليلة على أنها بلا مقابل ، وإنما محبة فى الله و للصداقة والأخوة التى لاوجود لها من الأصل . ولم يكن فى مقدور  أحد أن يظن فيه مجرد الظن وأنت تنظر إليه وتجلس معه وتتأمل وجهه المتغضن وهو مسترسل فى أحاديثه العذبةالتى كان يرسلها بأعذب الحكم وأنت تستمع له منصتا عن حكاياته التى كان لايكل ولايمل من حكيها مرات ومرات بنفس الألفاظ وكأن حياته مختزلة فى مخطوطة نادرة لاتقبل التبديل أوالتعديل عن قصة كفاح مناضل واجه ظروف شقائه العاتية فى الحياة ومالاقاه فيها من متاعب وأهوال عانى فيها من أشد أنواع الفقر الحرمان .. وكيف تعلم منها ؟ وكيف خرج  بها من مكاسب بعد طول صبر ومعاناة ، ليحكى لنا والبراءة فى عينيه كيف كافأه الله ومنحه مالم يُمنح لغيره نتيجة هذا الصبر على هذا الجزع المفرط  وهذه اللوعة التى عانى من ويلاتها دروبا، بأن أعطاه ماجناه من آلاء ونعم حتى أصبح فى وضعيته التى هو عليها الأن  كصورة ناصعة البياض يقطر منها النور فتنسحب عليها صفاء وطهرا ، ولإجادته التمثيل الرائع تجد نفسك أنك لست فى مجال شك فيما يروى من أحاديث كثيرة ملت أسماعنا منها سواء بالصدق أو الكذب ، لأنه يعلم أنك لن تتبينه ، فالعلم عند الله ، تماما كما كان  ينسحب لأصدقائى وناسى وأحبائى المقربين بعد أن يدرس نفسيتهم ويعرف مداخل شخصيتهم ليبدأ فى التقرب منهم ليفصح عن أسلوبه فى التعرف على الناس بنفس الصورة و النهج الذى اتبعه معى فى بداية صداقته لى، فهو يملك ملكة سرعة التعرف على الناس لدرجة أننى كنت أصدقه تماما  كلما نظرت فى عيون أطياف كثيرة من البشر من الذين يعرفهم وممن يعيشون حوله وخاصة أسرته وذويه  حيث يشكل لهم الصدر الحنون ، وأنهم يرونه نبراثا لحياتهم لما يقدمه لهم  من تضحيات .. وقته وجهده ليضعها فى خدمتهم ، ولكن لم يعرفوا بعد أنه من مال الأخرين التى كان يتفنن فى الحصول عليها بدافع توظيفها لهم ، وللأسف كانت فرائسه كثيرة لتعرف مدى استخدامه لذكائه الفطرى فى تنوع الآعيبه الإحتيالية  ومدى قدرته على الوصول إلى من يرى مصلحته عنده بمنتهى الحرفية والدهاء ، وكنت أتعجب كيف لهذا الشخص سريع التعرف على الناس  وليس له أصدقاء  البتة، وعندما كنت أسأله عن ذلك لم يعطنى إجابة مقنعة حتى أشفقت عليه وقدمته لأصدقائى ليصبح صديقا لهم ، والأعجب من كل ذلك أن معظم أصدقائى قراؤه جيدا قبل أن أتنبه لحقيقته المرة . لأقف بعد ذلك كثيرا أمام نفسى حزينا .. مبهوتا لعدم درايتى بالناس بعد هذا العمر ،  ومذهولا  أمام  تصرفاته لديهم فى الأمور  التى كانت تستهويه  فكنت أراه بعين الأخر كيف كان يحشر نفسه فيها ، وبين زواياها الضيقة التى كان يعلم  بأمور ها وأحيانا كثيرة لايعلمها ولكن لديه الإصرارعلى أن يعلمها وكثيرا ماكان يلجأ لى لمعرفتها منى ، وكنت أضلله فى أحايين كثيرة  وأرقب تصرفاته فأجده يسلك حلولا أخرى ، فمازال لديه الكثير منها حتى يستطيع أن يُدخل نفسه  فيها عنوة  لمعرفة أدق تفاصيلها ليبدأ بعد ذلك فى استخدامها الاستخدام الأمثل فى الإفتئات والغش والتضليل .. كنت لاأتصور أنها فى النهاية  هى مجرد وسائل لتحقيق غاية مرسومة بمنتهى الدقة للوصول إلى مآربه . إننى لازلت أتعجب لرؤيتى العمياء له قبل ذلك وكيف كنت أمضى وراءه وكأننى معصوب العينين منشرحا لأسمه الذى كان يتردد بين الأفواه بالحب والفخار ، وكم كنت معجبا باعتزاز الناس به عندما يلجأون اليه فى كثير من أمورهم وخاصة حينما كانت تضيق بهم دنياهم ، ويسمعون منه كلاما منطقيا مقنعا تنشرح له صدورهم ، فلطالما كان يردد أقوالا ألفوها منه كانت تمثل لهم قمة الطهر والعفة و التعقل لم تشأ الظروف أن يعرفوا أن فى  باطنها العذاب حيث كانت تحمل الوجه الأخر الذى يريحهم ثم يعودون إلى أحاديث النفس أو هواجس خبرتهم  فيشعرون بتضليله لهم بعد إحساسهم  بمرور الكثير من  الوقت فيجدوها  تكذب وهمهم ، لقد ألفوا كلامه المعسول أطوارا لم يكتشفوافيها كذبه فهو كان كثير الكذب ، وأسفاه لقدكنت أنا أولهم . كان يحكى الشيئ وينسى ثم يحكى نقيضه فى موضع أخر ولحسن حظه أن أحدا لم يلتف لأحاديثه الملفقة إلابعد فوات الأوان مثلى.                                                                                                                                                                               

                                                                                                   

انتهت علاقتى به وإلى الأبد فعند مفترق الطرق تحتدم العواطف ، وتنبعث الذكريات التى كانت وكيف أصبحت ، إنها أصبحت فى أسوأ حال ، وليس أمامى الأن إلا تحد واحد كيف أحصل على حقوقى منه ، مسألة مضنية للغاية .. ماأشد اضطرابى ، يلزمنى قدرة خارقة للسيطرة على مشاعرى بعد أن فقدث الثقة فى كل شيئ  . لم أجد أمامى بعد الإفاقة سوى الإستعانة بأصدقائى  المحترمين سرعة التدخل .. ربما أضطررت إلى ذلك فيقينا انقلب الملاك عندى شيطانا .. والأستاذ جميل لم يعد جميلا بل أصبح قبيحا دميما..يالها من ضربة قاضية مفعمة بالحنق والغيظ والكراهية ،  ربما اندفعت بقوة طائشة كى استرد مالى المنهوب  ونسيان تام لكل الأحداث السابقة التى لاوقت لإحصائها، لننظر للعواقب اللاحقة وماذا سيترتب عليها من خسائر محتملة بعدمرور سنوات خمس كاملة ضاعت فيها الحقوق سدى على يديه واضطربت وتداخلت فى حقوق الأخرين. لقد كان لجهد الأصدقاء الأثر الكبير فيماقدموه لى حيث ضاعفوا فيها كل السبل لاسترداد حقوقى التائهة والمنهوبة التى أضحت بلاسند قانونى يحميها .. فالشيكات كانت كلهامزورة ومضروبة وفاسدة عن عمد والمحاكم لاتحمى المتغافلين ولاتحمى أصحاب النوايا الطيبة ولامن يحسنون الظن بالناس . لذلك كان لجوئى مضطرا لمستشار  وفقيه قانونى محنك فى إيجاد حلول غير تقليدية فى مثل هذه القضايا المعقدة غاية التعقيد ،  فإذا به يتصل عليه حتى يُسمعنى مالم كنت أصدقه .. كانت هذه المهاتفة تحمل مفاجأة كبيرة لى أفقدت كل ماكان متبقيا من أثر العلاقة التى استمرت لسنوات .. جاء صوته فى أذنى كنعيق الغراب ماأشدعلى النفس أن تتيقن مالحق بالنفوس من فساد دينى و أخلاقى واجتماعى أخذ يتمدد ليستشرى فى كل شيئ حولك ، وأن الحب تم اقتلاعه عنوة فى عملية تصفية جامحة من القلوب حتى تحجرت.حقا كان عالما غريبا لأول مرة أحس أن كل عقبة يمكن أن تحل إلاهذه العقبة .. مرت أيام ثقيلة بين شد وجذب حمّلت فيها على صديقى الصدوق الذى آل على نفسه أعباء التفاوض معه وحوارات  طويلةامتدت شهورا  انقضى معظمها لايرجى منهاطائل حيث كان ينكص فى كلامه وينقض فى عهوده ويرتد عن اتفاقاته مثل الحيات التى تتلوى لتغير جلدها فلا تستطيع أن تأمن لها جانب .. يكذب وينسى وينكر ماسبق واتفق عليه .. كنت لاأنام ،  أغمض عينى فلا تنطبق الأجفان، وفى الصحو لأجد ماأريده .. أغفو وأصحو متمنيا أن كل شيئ قد تم  .. تتصاعد من صدرى أبخرة تطمس كل الأشياء حولى لتطفئ غمرات حنين الماضى المضل  ، حتى أفاء الله لنا بالوصول إلى حل لتنقضى حكاية الأستاذ جميل .. الثعبان المتلوى الذى مالبث أن آثر الإختفاء ليلوذ إلى جحره منتظرا فريسة أخرى. وهكذا انتهى كل شيئ واكتشفت أخيرا معنى أن تمدد قدميك وتترك عينيك تتحركان بحرية فى كل اتجاه  ..وتمد يدك إلى كل ماحولك لتسرح فى أطياف من نور  واللحظة تمتد وتكبر.. وتقول وقد طبت نفسا هكذا كنت .. وهكذا أصبحت. إننى أتوق أن أبقى أبدا بلاعودة إلى الوراء.                                                                  

                                                                                                

 القاهرة فى إبريل 2024   

مع تحيات : محمد عصام