music

السبت، 30 مارس 2013

لو كنت يوم أنساك .. إيه افتكر تانى



أصبح الحديث عن عبد الحليم حافظ هو الحديث المتوالى للنفس  .. حديث بالغ النقاء ولاأخفى عليكم سرا دائما ماتسبقنى دموعى وتخالط فكرى وأنا أكتب هذه الكلمات ،  فمازلت أطبق حزنى وبثى كلما تحل ذكراه ، أسمع رجع صدى صوته الرقيق الجميل ، لازلت أراه يغنى كعادته بنبراته الدافئة .. لازلت استنشق بعمق رائحة نسمات الزمن الجميل التى تعبق بعبيرالحب وصوت حليم .. لازلت أراه يقبل علينا بلهفة الحب وعذابه ورنين صوته وأنينه وبشعاع الأمل المنبعث من حدقتيه المنكسرتين .. لازلت أراه سيمفونية تُعزف بسموعلى أوتار قلوبنا أنغاما مذهلة بحثا عن اللحن المفقود والأمل المنشود .. لازلت أراه بقعة طاهرة فى ثوب الغناء المصرى المدنس الأن .. ولازلت أراه طاقة من الرومانسية الحالمة فى الأداء ، هذه الطاقة هى نفسها التى تحولت إلى طاقة ملهمة فى الملحمة المصرية الوطنية الخالصة نحن أحوج مانكون إليها فى وقتنا الحالى ، لقد عاش حليم فترة تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية للأمة المصرية فكرس صوته وغناءه للوطن ، عند تأميم القناة وندد بالعدوان الثلاثى وكانت أغنيته سببا مباشرا فى قصة إنهاء الحصار الاقتصادى وبناء السد العالى ، حقوق العمال ، التصنيع ، مد الكهرباء ، تعمير الصحارى ، مجانية التعليم ومحاربة الرجعية والانتهازية حتى صارت أغانيه رمزا للوطنية وعقل الوطن وقلبه ، كما عاش حليم مع مصر جرحها الغائر فى نكسة 67 ، فازدادت جراحه عمقا واستفحلت فعاش حياته القصيرة متنقلا مابين الغناء والمستشفيات ، ولازال ينزف حليم ولايتوقف ولايأبه لانه كان يرى أن أنفاس الناس هى الهواء النقى الوحيد الذى يتنفسه الفنان وتمنحه الحياة وكان يرى هذا من خلال تجاربه الشخصية فى العديد من المواقف التى وضعت بصماتها على صوته، لذلك كان يرى أنه خلق من أجل إسعاد الأخرين ، لقد لخص العندليب تجربته فى الحياة بقوله : " لا أريد لأحد أن يتألم لأننى عرفت منذ طفولتى معنى الحرمان والألم وعندما فهمت الحياة والموت لم أعد أكره أحدا ، المرض جعلنى دائم الشعور بالبؤس والتعاسة ، ولهذا فأنا أحب أن أقدم بسمة الأمل لكل الناس " هكذا كان حليم ، وهكذا نضحت أغلب أغانيه بالعذاب والشجن . ومع مرور كل هذا الزمن لازلت استعذب الكتابة عنه ، الجمل  تتآلف مع بعضها البعض بتلقائية وتضع نفسها فى نظم جميل .. لأن حليم أبدعته قصة طويلة من الحب والالم ،إن الكلمات تستعذب الحديث عن حليم .. فيثارة الشرق .. الطائر المغرد .. النغم الحالم .. سفير الرومانسية .. أسطورة الغناء العربى .. العندليب الأسمر .. حليم حليف الألم والشجن والمعاناة .. الصوت الشجى الذى حول مرارة الألم إلى بلاغة غنائية وانتعاشة لحنية منقوشة بزخارف موسيقية مصرية خالصة ، كان حليم يحول الأنين إلى حيوية على المسرح ، ومن جسم نحيل إلى مارد كبير يغنى بحيوية وسعادة ونشوى ، لكنه على أعتاب بيته يتحول لحطام ويسقط قبل أن يصل إلى فراشه ، ويظن كل من حوله أنها النهاية ، ولكن لم تكن النهاية ، كان حليم يموت فى اليوم آلاف المرات ثم يحيا بدعوات مقربيه وابتهال محبيه وإرادته .. كانت إرادته تتحول إلى اسطورة فى العناد مع المرض ومع الوهن والضعف والموت ، حتى تهبه الحياة إكسيرها مرة أخرى وتحول دمه الى نهر يجرى فى شرايين الملايين من البشر على ضفتى الوادى الفسيح فى مدن وقرى مصر وتشبعهم من الحب الصافى والأمل المتجدد والكفاح من عناد الحياة والإنتصار بإرادة النفس على كل معوقات الدنيا ، إن ارادة الحياة عند حليم كانت هى الأقوى من الألم والمرض ولكنها لم تقو أمام جلال الموت ، ويموت حليم وهو فى زهرة الشباب لتندمل جراحه ، رحل حليم ولم ترحل سيرته وبقيت حكاياته منقوشة على جدران المعابد وتروى فى قصور الخلفاء والسلاطين وترسمها نسمات الربيع على مياه النيل وترسلها الطبيعة عبر الأريج إلى القرى والنجوع والكفور والمساحات الخضراء الشاسعة من أرض مصر التى تعرفه جيدا ، رحل وترك لنا فنه وأغنياته ، كانت ولازالت متربعة على عرش القلوب حتى الآن .

      مع خالص تحياتى : عصــام

                                   القاهرة فى 30 مارس سنة 2013


 








هناك تعليق واحد: