music

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

تاملات وخلجات نفسية


 لعل ماقله "سارتر" من أن منتهى المدنية العودة إلى البدائية ينطوى على جانب كبير من المنطقية بضرورة العودة إلى الأصول الأولى ، وفى العيادات النفسية يسألك الطبيب ضاربا فى جذور جذور أعماقك حتى يصل إلى بداياتك لمعرفة حقيقة معاناتك .. فى محاولة إصلاح ماأفسده الدهر وسبب لك هزاتك النفسية نتيجة الصراع الدائر بين خلجات النفس ومعطيات الحياة بكل مافيها من متناقضات ومنغصات ، ذلك الصراع الهائل الذى يؤثر حتما فى نفسك ويشكل وجدانك ويحدد معالمك والجنوح بك إلى أحد طرفى الصراع الخير أو الشر ، والحقيقة أننا لانجد أحدا شريرا خالصا ، ولا طيبا تماما ، وإنما الإنسان عبارة عن نصف ملاك ، والنصف الأخر حيوان ، ولكن لانعرف نسبة الملائكية فيه من نسبة الحيوانية، فهو طيب أحيانا وشرير أحيانا أخرى ، ومسألة تغليب أحدهما على الأخر ، مسألة ترجع إلى أمور كثيرة منها مايتعلق بالفطرة ، ومنها ماهو متعلق بالمكتسبات البيئية ، فما أعجب تلك النفس التى بداخلنا .. فيها من النار الشهوة والجوع والغضب والحقد والحسد والغل ، وفيها من الطين الألية والتكرار والجمود والقصور الذاتى والخمول والكسل والعجز عن التغيير ، وفيها من الروحانية الإنطلاق والحرية والشفافية والإبتكار والإبداع والخيال والجمال .. والنفس لاتولد نارية ولانورية ولاطينية ولاروحية .. وإنما تولد على الفطرة ، أى قابلة لكل ذلك هبوطا وصعودا ، وإذا تأمل الواحد منا نفسه بموضوعية ونظر إلى باطنه فيلاحظ أنه فى حالة تذبذب دائم بين هذه المراتب من لحظة لأخرى ومن يوم إلى آخر .. ومن حالة وجدانية إلى حالة عقلية إلى حالة شهوانية إلى صفاء روحى ، ولكن السؤال ماالذى يجعل الإنسان شريرا ؟ لا شيئ سوى الإتجاه إلى أحقاد الحياة المادية كغاية وجعلها أصلا للحياة ، و مدى ارتباط الإنسان بها وبالأرض وقوانينها ، وحب الامتلاك ، وأخيرا وهو الأهم ، القرب والبعد عن الدين ، أى الميل الشديد لإحتياجات المادة وجعل الدين بمنأى عن الحياة ، ونشوء الصراع النفسى ونشوبها بين لحظة وأخرى ، وقياس أفعالنا من واقع نتاج هذا الصراع اللانهائى ، وغالبا ما يتمخض كل هذا وينحصر فى أشياء ثلاثة هى طموحات البشر من هذه ماديات الحياة : المال ، السلطة ، والجنس ، فليس لمعظم الناس أهم من هذه الأهداف الثلاثة ، وكل مانتعلمه ونعمله هو من أجل أن نحقق أكبر قدر من كل ذلك ، ويقوم الفلاسفة بوضع المعايير المنطقية لفلسفة الأخذ بها ، ويقوم رجال الدين بوضع الضوابط والقواعد لسلوك الناس لتهذيب الرؤية تجاهها ، ولذلك نجد القليل من الناس هم من يستطعون الاستقرار فى المراتب الروحية الأولى دون أن تجذبهم جذبات الشهوة والجوع والأحقاد والمطامع ، والكثيرون جدا هم مايستقرون فى المراتب السفلية حيث الحياة شهوة ومضاجعة وأكل و شرب ، أى هموم البطن والفرج ، ويبقى أواسط الناس يتأرجحون بين النار والنور ، بين العلو والتسافل ، بين السمو والدنو ، وبما أن الشيطان مخلوق نارى فلا يستطيع التعامل إلا فى المراتب النارية السفلية ، وبسهولة جدا يستطيع الوصول إلى الإنسان المتهابط وتتم المجانسة والتواصل ، فيستطيع تأجيج شهواته وشعل غضباته .. ولكنه يظل معزولا عن من هم فى المراتب الروحية بحكم عدم وجود هذا التجانس وتوافره .


لكن السؤال الأهم كيف نتعرف على النواحى الخاطئة فى سلوكياتنا وكيفية الخلاص منها ؟ كيف نستفيد من كل لحظة فى حياتنا ، دون الدخول لساحة الصراع الدائر بين البشر القابعين فى المراتب النارية السفلية المنتمين للماديات من هذه الدنيا ؟ وكيف نصل لتحقيق هدف فنتطلع لهدف آخر جديد باطمئنان يجعلنا فى صعود متنام لتلك المراتب الروحية؟ وكيف ننجح فى تحقيق ذاتنا دون خوف ؟ عليك أن تسأل نفسك أولا ولك وحدك أن تختار ، هل أمتنع عن عمل ماأريد ؟ هل أقيم حياتى كما يريد الأخرون ؟ هل أترك الهموم تتراكم فوق رأسى ؟ إن أمامك الفرصة فى أن تعيش .. أن تحقق ذاتك .. أن تستمتع .. أن تحب .. وأن تستخدم الخوف لتتعلم كيف تعيش بطريقة فعالة ، ولتسأل نفسك كم من الوقت سأبقى ميتا .. أمام هذا الأمل فى الخلود .. يجب أن تختار ، أى أن تترك الآلام للذين يتصورون أنهم يعيشون أبدا تاركين أنفسهم لهذا الصراع المرير المتوحد والمتجانس مع الشيطان اللاهث وراء المال والسلطة والجنس ، والذى ينتهى دائما إلى الخسران الكبير ، إذن أنفض عن نفسك القلق والشعور بالإثم . إذا كنت لم تبدأ بعد السير فى هذا الطريق .. فعليك المضى فيه دون تردد ، وإلا ستعيش أبد ا وحتى آخر نفس كما يريد الآخرون .. واعلم إن بقاءنا فى هذه الدنيا قصير فيجب أن تحوله إلى شيئ يرضيك ــ وكلمة مثل مائه ـــ فإن الأمر يتعلق بحياتك حياتك وحدك .. فاجعل منها ماتريد أنت ، ولكن لاتنس أن هناك رقيبا عتيدا .


مع خالص تحياتى : عصـــــــــــام

               القاهرة فى : ديسمبر 2011





الخميس، 24 نوفمبر 2011

وتمضى الأيام


وتمضى الأيام
وعدنا إلى الشارع الطويل
نسترجع هدير الماضى
نسترجع آهات الأيام وأنين الذكريات نهمس لأنفسنا ماذا لوعادت لنا الأيام
 
آه لو عادت .. ماذا كان يجرى ؟ لعادت لنا الحيرة للبحث عن النفس والحقيقة
لو عادت الأيام لرجعت أفتش عن الاصحاب والأحباب ، وعن الحب الذى كان
لو عادت الأيام لاسترجعت كل الذى قلته ولمن قلته
لو عادت الأيام لخرجت من دائرة التفرد والاحساس بالوحدة والإفتقار للآخرين 
الذى لازمنى كثيرا ، ولاحتويت نفسى فى قلوب الناس ، ولكشفت عن نفسى نقابها من الخجل والتوتر والحيرة والتردد ، ولأوجدت نفسى بقوة فى قلب من أحب

لو عادت لأعدت اكتشاف نفسى من جديد ، ولنقبت عن كل الفرص الضائعة
لوعادت الأيام لأخفيت كل سلبيات حياتى
آه لو عادت .. لغصت فى أعماق ذاتى ، ولعشت كما كنت أتمنى




ولكن
الأيام لاتعود .. والعمر لايعود

فأيامها .. كم تمنيت أن أكون مغردا ومحلقا فى السماء عندما تصفو
أيامها .. كم تمنيت أن أعانق الشمس وأرقص للقمر وأحلم بالسفر
أيامها . . كانت لمعة العين طويلة والقلب يدق على عقلى
أيامها .. كان الليل صديقى والأرق رفيقى والسهد محرابى
أيامها . . كنت أجد
فى الفن سلوى وفى الحب لوعة
أيامها .. لم تكن خطواتى تبلغ بعد الشارع الطويل
مع خالص تحيــــاتى :
 
القاهرة فى نوفمبر 2011