music

الأحد، 8 يونيو 2014

وفاء إيزيس وعودة هاميس ( الجزء الخامس )



كل ليلة أدعى كذبا  أننى سآوى إلى النوم وحين أتمدّد فى فراشى أفتح نافذة سهادى وأقفز منها إلى قلب ذكرياتى ، فتأتى هاميس وتتصدر مشهد أحلام اليقظة ، إن علاقتى بها لم تكن مجرد علاقة عابرة خلقتها الظروف أو علاقة مجنونة بلا اتزان ، بل هى أقوى وأعمق من ذلك بكثير ، فليس الذى يربط كلانا قيد من حديد أو موثوق برباط عنوة ، إنما هو شيئ أرق من النسمة .. يداعبنى ولاأراه ، وأكثر حرارة .. يشعرنى بدفئه ولااتبينه ، شيئ كالخيط الرفيع الذى يربط الجنين بأمه يستمد منه الحياة ولايتباعدا . فكيف أمسحها من ذاكرتى ولاأفكر فيها ؟! كيف أوقف السيل العرم من الحزن الذى ظل يهطل وحده وكأنه شلال يتدفق فى أودية الجدب للبحث فى لهفة عنها ؟! كيف أتخلص من براثن الهجر بعد أن أشاعت ضبابا كثيفا اكتنفنى منذ أن غادرت دنيا أحلامى ، ثم تكسف وبخرته نيران اللوعة المشتعلة فى قلبى فتلاشت معها أفراحى وتحولت فى مخيلتى إلى قطرات من الماء هى نفسها الدموع التى اجترتها عيونى ، وأجراها الحنين فى رحلة البحث عنها فى كل مكان كى يرتاح فؤادى اللاهث وراء أشواق تُفضى لأشواك. إننى لازلت بين الحين والحين أُمنى نفسى باشتياق لشعاع نور يضيئ من جديد .. لهبوب تيار أمل يجرف طوفانا من السعادة ويردها لى . وأحيانا أخرى تتملكنى حالة من اليأس وتدفعنى أحزانى إلى رد فعل معاكس .. إلى ندم شديد على الوقت الذى أهدرته معها ، والورود التى نثرتها أمامها ، والشموع التى أضأتها لها والدموع والقلق والخوف عليها ، وماقلته لها وماقالته لى .. يالها من مشاعر تتلاعب بإحساسى وتجعل المتناقضات تسير فى اتجاه واحد . ماكل هذه الهواجس ، أهذا حلم جميل أم كابوس سيظل جاثما على قلبى وعقلى ووجدانى .


وفجأة وجدتها أمامى بعد كل هذا الوقت بلا تمهيد ودون سابق إنذار ، نعم رأيتها وكأننى لم أرها من قبل بهذا الوضوح ، بدت بابتسامتها العريضة المضيئة .. كأنما أرادت أن تقدم لى اعتذارا بدعوة فاخرة كى تمحو كل ماسببته لى من معاناة وتعاسة فى أيام الهجر الماضية .. دعوة بأن تكون أكثر قربا .. عيناها السوداوان اللامعتان جميلتان كعادتهما .. متألقتان مشوبان بالقلق والترقب .. نجمتان فى رعشة دائمة حائرتان ، خداها متوردان بحمرة .. متناغمان مع شفتيها المكتظتين المتفجرتين المرتعشتين أيضا خجلا ، جاءت بثوب أحمر فضفاض أحال المكان إلى جمرات متقدة اجتاحتنى بحرارتها مع كل خطوة كانت تخطوها نحوى بتبختر واختيال . بدت كعصفورة على غصن بان يتمايل ، إنها تحفة أنثوية رائعة قائمة على ساقين ملفوفين مستديرين وخصر صغير بهرتنى كعادتها كما كانت تبهرنى كل مرة أراها فيها، بادرتنى بأول همسة من شفتيها : عصام وحشتنى جدا وياترى كنت وحشاك مثلى . قاطعتها بشيئ من الحزم : هاميس قلتها فى غيابك آلاف المرات ولكنها تعقدت على لسانى الأن ولاأظن أنه يوجد عندى ما أقوله لك ، بل أريد أن تسمعينى لآخر مرة ، قالت : حبيبى لماذا تقابلنى بهذا الهجوم الذى لم اعهده منك قط  ، ولماذا قلت أخر مرة وهل طاوعك قلبك أن تقولها بهذه البساطة ، ومن أين جئت بكل هذه القسوة ، وكيف وصل بك الحال لهذا ؟  قلت : أنت التى أخترت هذا ، استهنتى بحبى لك ومدى ارتباطى بك ، لقد لاقيت على يديك العذاب الهوينى ، قالت : نعم أعلم هذا جيدا وتوقعته ولكن كانت ثقتى فى حبنا كبيرة ، جعلتنى مطمئنة ألا يهز عرش هذا الحب الكبير أية عواصف ولايعصف به أى ريح ، وأظن أنك تعلم تقديرى وحبى لك ، ولكنك لاتعرف مدى تضحيتى من أجلك ، لاتنسى أن من سعى وجاء إليك طواعية هو أنا ، لم تكن تعرف عنى شيئا . قلت : ليس الاعتراف بالحب دليلا عليه ، قالت : أتشكك فى حبى لك ياعصام بعد كل مافعلته من أجلك حتى ترانى ، إننى جئت لك بعد أن فقدت الأمل فى رأيتك مرة أخرى ، قلت : وماذا يعنى هذا ؟ أتريدين إقناعى أنك كنت معذبة مثلى ، قالت : نعم عصام بل تعذبت أكثر منك بكثير . قلت والغيظ يتملكنى : أكيد ليس بسببى ، لأن من يكتوى بنار الحب يُقدر أيضا عذابه وأظن أنه لايتمناه لمن يحبه ، وأنت تركتينى فى عراء الهجر ، أواجه تحدياته ، عانيت ماعانيت ، عشت بإحساس مكتئب ، بل أقول لك أكثر من هذا ؟! أقول لك أننى كنت مثل الغريق الذى أصابته موجة شديدة عاتية غمرت حياته ولاتزال روحه تجابه الحياة وتجاهد التنفس ، أقول لك أننى كنت مثل من أصابته صاعقة ولايزال يعانى من ضييق الصدر جراء دخانها الكثيف المتصاعد منه حتى خنقته ولايعرف كيفية الخلاص ، أقول لك إننى كنت مثل من ضرب حياته زلزال فزلزلته وحولته التوابع لحطام ، الفكرة التى كانت تمور من حولى هى التى أعود إليها بين الحين والأخر ، هل كل هذا كان مجرد حلم من أحلام اليقظة ، أوضربا من خداع النفس ، أونزوة من نزوات الجنون المؤقت ، وأننى حتما سأفيق ذات صباح ، فأدرك أننى توهمت كل شيئ ، توهمت الموجة التى أخفت الشواطئ التى تعودت عليها ، والصاعقة التى أحرقت كل الأماكن المألوفة لدى ، والزلزال الذى غير كل المعالم من حولى ، حتى أستفيق مما أنا فيه . ثم أعود وأقول لنفسى كيف أتوهم وجودك فى حياتى ، إننى لست مجنونا ولاغائبا عن الوعى ، لأنك بالفعل حقيقة وحتما ستعودين يوما ما , وانتظرت طويلا على هذا الأساس ، وتهت مع أيامى وأصبحت كما ترين ، وهكذا تصورتك ، وإلا مامعنى غيابك الذى تجاوزت حدوده خلاصى منه وصبرى عليه ، انتظرتك طويلا ويالاعذاب الانتظار ، ولكن مع الوقت أحسست أن شعورك لم يكن صادقا كما فهمت ، وهذا لايعنى سوى أنه لايضايقك أن تعذبينى لأنك عرفتى كم أنا أحبك ، وتأكدتى أن الحب نما وأورق وأزهر وكنا قد اتفقنا ألا نفترق ، ولكنك أول من نقض العهد وافترقنا حتى دون كلمة وداع ، كل ماكان يهمك فقط هو كبرياؤك .. كبرياء الملكات عندما يشعرن بحبهن للرجال البسطاء من عامة الشعب ، يشتقن إليهم ويحرصن ألايخبرهن بحبهن ، وتأبى أنفسهن على الإعتراف به لهم رغم أنهن يذوبن فيهم ذوبانا . إننى كنت أشعر بمرارة ذلك وكنت أرى نفسى مثل من تعذب فى هواك وهم كثيرون ، فتناسيتى كم سأتألم فى غيابك بل بدا لى أنه لايهمك إن كنت أتعذب أم لا ، لقد أكدت الأيام أن هوايتك عذاب الآخرين والتلذذ به .
وهنا نظرت لى بنظرة منكسرة حزينة تراقصت أهدابها الطويلة بدموع اغرورقت بها عيناها وسالت على خديها فإحمرا كأنهما جذوتان تتقدان ، اضطربت معها أنفاسها وارتعشت يداها وبدا وجهها مكفهرا: عصام أنت اتغيرت ، هل خاب أملك فىّ إلى هذه الدرجة ؟ هل كان يعنيك أن نبقى معا دون الالتفات إلى ظروفى ؟ ولو كان كلامك هذا صحيحا أليس من حقى على الأقل إعطائى فرصة ولوصغيرة حتى أدافع بها عن نفسى وأقول لك مالاتعرفه ، ربما لو سمعتنى ماكان لك بحاجة إن تقول كل ماسمعته منك الأن ، وتكون قد سمعت مايصادف فى نفسك هوى أو تجد فيه مايريح قلبك ، ويستكين له فؤادك ، لإنك لاتعرف أى شيئ ، لقد صور لك عقلك شيئا وغاب عن قلبك أشياء ، لقد تحديت أهلى من أجلك ، حيث تم أسرى بسبب حبك ، لقد غبت عنك كرها ياعصام ، وكان يجب ألاتسيئ بى الظن إلى هذه الدرجة ، ولاتسألنى بعد الأن عن سر عذابى ، لأنى لن أقوله لك . تلاشت حدتى فجأة وأدركت مدى الورطة التى وضعت نفسى فيها فبادرتها محاولا قطع مواصلة حديثها الموجع بإرادة تغيير مساره فقلت لها : هاميس أرجوك أعذرينى ، لإننى كنت قلقا جداعليك ، وكم تمنيت على الأقل الإطمئنان عنك ، حاولت ولم أعرف كيف أصل إليك .. سهرت ليالى طوال .. جفانى فيها النوم ، أرجوك قدّرى حالتى وماكنت فيه ، والبعاد كما يقولون جفاء ، والبعد عن العين هو بُعد أيضا عن القلب ، ظننتك تتلاعبين بى . حاولت الإتزان فى كلامها : عصام لاتسألنى عن حبى لك لأنه غير قابل للنقاش ولا للمزايدة عليه ، فلاشيئ يقتل الحب سوى كثرة السؤال عنه وسوء الظن به ، فهو فى براءة الطفل الصغير يحب أن تروى له الحواديت الجميلة همسا حتى يجعله ينام بهدوء فى قلبى وقلبك. ولكن لك أن تعرف كم كنت أتعذب من شدة أشتياقى إليك ، كانت كل ليلة تمرعلىّ ولم أرك أموت فيها مائة مرة ، حتى جئت إليك هاربة من أهلى ومن مصيرى بسبب حبك ، بعد أن علمت منهم أننى أمام علاقة مستحيلة . مرت علىّ أيام وليالى كثيرة تمنيت أن تنسانى ، فلو كنت نسيتنى لوضعت حدا لمعاناتى وتركتنى وحدى أتعذب ، إلا انك انتظرتنى وآثرت حبى وتمنيت أن ترانى من جديد ، شعرت بك وأحسست بحبك ينمو فى قلبى بقوة جارفة تملكتنى واكتنفتنى بشعورغريب يتألق بداخلى وينمو بعنف لم أعهده فى حياتى الماضية كلها ، وفى غمرة العشق الداهم فعلت ماتود أى انسانة محبة صادقة أن تفعله ، فكرت فى الهروب إليك وتحينت فرصته حتى جاءت وأتيت لك بكل عنفوان حبى الذى أحمله فى قلبى بفرحة الشوق ولهفة اللقاء ، وظننت أنى أعددت لك مفاجأة سارة بأننى سأعيش معك عمرى الذى لم أعشه بعد ، نعم هربت من أجلك بقرار لم اتخذه بعد دراسة أو تفكير ، ولاأعرف لماذا ؟ تماما كما قادتنى الطرق إليك دون تخطيط أو نوايا مسبقة أو إنذار ، ولكنى أحببتك ووجدت نفسى أحتاج إليك كاحتياجى للأكل والشراب والنوم ، مع الفارق ، أن هذه الأشياء نحبها بحكم العادة ، ولكننى أردت أن أحبك بحكم الحب . أعرف أن لديك الكثير من الأسئلة التى لاأستطيع الاجابة عنها الأن وقد لاأستطيع أن أجيب عنها فى المستقبل ولكن من حقك أن أوضح لك بعض الأمور ولاتتوقع أن أشرح لم أحببتك ؟! لأنى لاأعرف السبب ، وقد اقتنعت بعد عناء طويل أن هذا جزء من قدرى الجميل علىّ أن أتقبل من أجله الوقوف راضية ضد أهلى والدنيا كلها ، لكن دعنى أخبرك بأن حبى هذا أحال حياتى إلى سجن وأكل قلبى وامتص عقلى وسرقنى من نومى ، عرفت على يديه معنى التوتر والقلق والخوف والعذاب والألم .. معنى الانتظار الطويل ، إن صورتك لم تغادر خيالى كنت أحدثها وأنا أعلم أنك لن ترد علىّ ، وأعلم أيضا أنك ستجد فى غيابى فتيات غيرى أخريات من زمنك مثل الحكايات الكثيرة التى حكيتها لى عنهن عندما كنا نجلس معا على ضفاف النيل ، خفت أن تحل مكانى أخرى كثيرة الحظ وقليلة الخجل ، تغازل طموح عينيك وأنا المفتونه بهما قبلها ، بمجرد أن أتخيل هذا كان جسدى كله يرتجف والنار تضرم فى قلبى ، وتثير الغيرة فى نفسى أشياء كثيرة كانت تسهدنى وتنغص علىّ حياتى .. نعم إننى كنت أغار حتى من هذا الخاطر ، ومع كل ذلك كنت أريد أن أغار وأن أحترق وأتعذب فى حبك أكثر وأكثر وأكثر .





ثم سكتت وقد اشتعل وجهها حمرة وتصبب العرق على جبينها وانهمرت الدموع من عينيها .. ثم أجهشت بالبكاء وقالت فى صوت مخنوق : عصام لقد تمنيت أن أعيش معك بلا وعد .. بلا كلمة .. بلا معنى لأى شيئ ، ربطت حياتى بحياتك وأنا أعرف أن دنياى غير دنياك وأعلم أننى أفعل المستحيل لأشياء لاتعرفها أنت ، وكل ذلك كان باختيارى ومحض أرادتى ، كنت فى زمانى ليس لى حق الإختيار رغم أنى عرفت الحب وأنا صغيرة ، ولكن استسلمت لقدرى كرها وإذعانا عندما أصبحت شابة جميلة وتهت فى أحضان النيل أزمانا وأزمانا ، والأن غيرت شرعتى وكسرت نواميس حياتى ، وتحديت زمانى ومكانى .. نعم تحديت من حولى من أجلك ، وهربت إليك ، فعلت كل ذلك لأنى أحببتك .. حبك كان قدرى ياعصام . وعلا بكاؤها وانتحبت بدموع منهمرة ، حديثها أفقدنى النطق .. ألجمنى وفجر من حولى نورا على جوانب حياتى كلها لم أره من قبل ، تلك الحياة التى خيمت عليها ظلمات اليأس منذ غيابها . أومأت رأسى خجلا ، بدت كلماتى وكأن فى فمى غصة محشورة تمنعنى من الكلام ، أغمضت عينى ، حيث لاحت فى مخيلتى أفكار كثيرة أردت بها أن تتغاضى عن كلماتى  التى اوقعتنى فى هذه الدوامة الغريبة التى لم أقصدها ، فأنا لاأعرف أغوار المجهول . أردت إبعادها عن منطق الحديث الذى هزمتنى فيه ، بإطلاق العنان لعقلى عائدا إلى الوراء قائلا لها : هل تذكرين حينما تقابلنا أول مرة فى تلك الليلة المبهرة عندما وجدتك أمامى فجأة .. كنت تنظرين لى بعد أن زالت رهبتى لوجودك الغريب ، كنت أبادلك النظرات التى كانت تحبس الأنفاس ، ولاصوت يعلو حولنا سوى العزف على أوتار العشق الوردى الذى أخذ يصدح فى أرجاء المكان ، أذكر جيدا عندما تلقفت شفتايا أول قبلة منك لم أعرف مثلها فى حياتى كانت مثار حديث النفس كل ليلة ، وظننت أننى فى حلم جميل وصحوت من نومى لأجد الحقيقة بوجودك أمامى ، وكانت أجمل حقيقة عرفتها فى حياتى ، اكتملت باللقاءات التى كانت تأخذنا إلى عالم أخر بعيد ، أحيانا كانت لقاءات عابرة وأحيانا أخرى كانت طويلة ، أجل ياهاميس موضوعات وأمور كثيرة تتقاذف وترتطم برأسى ، جزء منها رائع والجزء الأخر غريب ، جعلتنى مع الأيام انتشى عطرك المميز، حتى فى غيابك لم تفارق أنفى ، لقد نجحتى فى اقتلاع شجرة الحزن من جذورها التى كانت دوما تؤرك حياتى ، أجمل أحساس كان يغمرنى عندما كنت تفاجئننى بحضورك الرائع الغريب ، لأول مرة فى حياتى أتذوق طعم السعادة حينما كنت تشعلين من حولى نار حبك العتيق ، وكنت تواقا لزمنك الرومانسى الذى طالما حدثتينى عنه كثيرا ، صحيح قد يكون الذنب ليس ذنبك ولاذنبى ، ولكنه القدر .. القدر أن تتعذبين وأنا أحترق وأدخل فى سكرة العشق فأغيب وأفيق لأجد مزيدا من الحب و مزيدا من الانتظار المر الطويل ، هكذا كنت وهكذا أصبحت ، ولكن بعد ماسمعته منك ومن أجل كل ماقلته ، وبكل عنفوان حبى اسمحى لى أن أقدم لك اعتذارا رقيقا ، وأقول لك آسف ، لقد نطقتها كل جوارحى قبل لسانى وماتعودت أن أتأسف لأحد فى حياتى .



قالت مقاطعة كلامى وقد ازدادت دموعها اهمرارا كأنه شلال : اسكت ياعصام لاتتأسف لى ، فحبى لك غفر كل كلمة قلتها ، أرجوك لاتعتذر مرة أخرى ، بل ضمنى لصدرك ، إننى أشعر ببرودة قارسة تجتاح جسدى ، إننى أرتجف والبرودة تقترب من قلبى ، إن جميع أطرافى ترتجف ياعصام ، إنى احتاجك .. احتاج لسماع أحلى كلماتك.. أريد الشهيق وأنا ملقاة فى أحضانك الساحرة .. أريد حنانك .. أريد الهرب إلى ذراعيك .. أريد التشبث بقميصك .. أداعب صدرك بأناملى ثم ألقى برأسى عليه وأغفو كى ارتاح .. ياه هل تذكر تلك الأغنية التى كنا نسمعها معا بصوت حليم الذى جعلتنى أحبه مثلك ، وأنا أداعب أزهار النرجس المدفونة فى دهاليز صدرك ، هاهى تزهو ثانية ، اسمعها منى . وغنتها بصوتها الأنثوى العجيب الذى يحمل عنوان الرقة والدلال " إشتقت إليك فعلمنى ألا أشتاق ، علمنى كيف أقص جذور هواك من الأعماق ، علمنى كيف تموت الدمعة فـى الأحداق ، علمنى كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق " ثم اردفت : أجل إنى مشتاقة ومتلهفة لوضع رأسى على صدرك الحانى فجسدى لازال باردا ، قلت لها : هل تعلمين ماذا أريد الأن ؟ قالت بعينين غافيتين : ماذا ؟ قلت : أن أضمك ضما أغيب فيه عن كل الدنيا وأعيش معك عمرى كله حتى ولو للحظة واحدة ، هاميس ستعرفيننى جيدا مع مرور الأيام .. سأكون رجلا مخلصا لك ولحبك أبد الدهر ، ستجديننى معك فى كل ليلة ، سأجعلها ليالى دافئة .. ناعمة ، أطبع على جبينك ووجنتيك قبلات بيضاء تأخذك إلى عالم من السحر .. عالم من عوالم ألف ليلة وليلة ، ولاأريد منك الأن سوى قبولى زوجا لك يشاركك أفراحك وأتراحك ، وأتمنى أن أكون لك إبتسامة تمحو كل لحظة بائسة أو يائسة فى حياتك المليئة بالنوازل وأجعلها حياة جميلة . نظرت لى بنظرة يملؤها الدفء وقالت : تعرف ياعصام أنا مثل من ، مثل الفراشة التى تدور مفتونة ومسحورة على مركز اللهب ، وأنت اللهب الساحر المضيئ والمحرق فى ذات الوقت ، أسعى إليك وأعرف أننى أسعى إلى حتفى ، والهرب منك كالهرب من نبض القلب .. كله يؤدى إلى الهلاك .. فأين المفر ؟ أين المفر من حبك فهو جذوة النار ، وهاأنا أعود لك مدفوعة بقوة الجذب العشقى من أبعد مكان فى الكون ولاأخشى لهيبه ، حتى ولوسقطت صريعة له ،يكفى أننى سأموت وأنا على صدرك وبين أحضانك بعد أن حلمت يوما بأننى عشت على عشب قلبينا الذى زرعناه معا .


  
ران علينا وقت طويل دون أن نهمس بكلمة ، مددت خلالها يدى إلى عينيها الجميلتين وجففت ماتبقى من دموعها ، ثم ألقت بنفسها فى حضنى ، أحتضنت قلبى بقسوة حتى كادت أن تدفن رأسها فى صدرى ، لدرجة أننى تخيلت كأنها تدخل بينى وبين النفس الذى استنشقه ، أغمضنا أعيننا ورحنا فى دوامة قبلة أعرف ملمسها جيدا ، ولكن هذه المرة كانت قبلة عنيفة حملت كل كلامنا وكل أحلامنا على بساط سحرى ثم ذهب بنا إلى حيث لاندرى ، ولم أفق ولم أدر إلا وهى واقفة بقامتها الممشوقة عند الزوايا القريبة وعند المنعطفات الباردة من حياتى تترقبنى بكل حنان .. صدرها يرتفع ويهبط مع نبض قلبى ، لقد أحالنا الحب إلى عالم آخر تمضى معه أحزاننا وتخمد فيه حرقتنا وعذابنا ، عالم من نور نمشى فيه بخفة متناهية ، تكفينا فيه نظرة واحدة متبادلة بيننا لتندفع أنهار من النشوة والسعادة فى كيانها الأنثوى وفى كيانى المفعم بكل الحب ونمضى إلى المجهول الذى لازلنا لانملكه ولانعرف عنه شيئا بعد ..


   وإلى أن نلتقى فى الجزء السادس ، لكم منى أسعد الأوقات وأطيب المنى .





مع تحيات ، عصـــــــــــــام


                                            القاهرة فى يونيو سنة 2014