music

الخميس، 16 مايو 2013

مقدمة ( الحب فى زمن الوفاء )





مقدمة

مازلت مؤمنا بان الحب والوفاء وجهان لعملة واحدة ، فالحب يجمع نقيضين قد يتنافران أو يكملان بعضهما البعض ويوحدهما معا ، كيمياء نفسية معقدة وصعبة ، فلو توحدا واكتملا وصارا شيئا واحدا ينجم عنه تولد مشاعر ثم يوهجها فى النفس ، وإثارة احاسيس تنتفض لها الجوارح ثم يثبتها فى القلب ، ويبقى الوفاء موقوفا على مدى صدق هذه المشاعر وتلك الاحاسيس ، والقلوب يختلف بعضها عن بعض كما تختلف وجوه الناس ، وكذلك الحب أيضا يأخذ أشكالا مختلفة وفقا لإرادة الحب لاإرادة الناس . فالحب أمر نسبى له سماته وأحواله ويختلف من شخص لأخر ، وكما يراه البعض جميلا والنفس تهواه وتتمناه وتعشقه ، يراه أخرون فى الخوف والشك والكراهية والحقد والغيرة ، إذن لاسعادة دائمة فى الحب ، ولاتوجد سعادة مطلقة فى الدنيا ، فحتى القليل من السعادة ، لاتستمر كل الوقت ولا طول العمر ، وصفه شكسبير بأنه أعمى وأن المحبين لا يدركون مدى الحماقة التى يقترفونها ، فالحب قد يأتى فى الوقت المناسب أو فى الوقت الضائع أو قد لايأتى ، وإن جاء قد يأتى للشخص المناسب أو للشخص غير المناسب ، والإنسان المحظوظ فى الدنيا هو من يصادفه حبا حقيقيا وصادقا ، فيختار قلبا واحدا من بين قلوب ونفوس الناس وإن تعددت ، فتتوحد مشاعره مع من أحب ويصبحا قلباً واحساساً واحداً .. وبما أن الحب حالة تهبط  فجأة ودون ميعاد على صاحب الحظ  قد يضحى من أجله بأى شيئ أو بكل شيئ من أجل شيئ قد لا يعرف مصيره ولايفكر فى عواقبه ، فهو يعيشه لحظة بلحظة ، أحيانا يحدث له خفقانا بالقلب يجعله يعلو ويهبط .. يضطرب ويهدأ ، أحيانا يأتى بشعور الانتشاء ، وأحيانا أخرى يغلب عليه التوتر الشديد ، قد يخرج منها بسلام أو لايخرج ، فهل نسأل عنه من جربه أو من يبحث عنه أو من يجهله أو يتجاهله . التجارب مختلفة والنتيجة واحدة ، أن الحب يجمع السعادة والتعاسة والألم فى آن واحد . غريب وعجيب أمر هذا الحب !! فهوالعذاب الجميل ، والمعاناة التى تأنس له النفس وتتوق إليه ، ولأن القلب يستمد دقاته من قلوب الأخرين غالبا لا يدرك مافى قلوبهم .



دائما ومع دخول الربيع أتذكر كل النقط الجميلة والمؤثرة فى حياتى ، لأن الربيع عندى يعنى بدء دورة حياتية جديدة فى كل شيئ ، ففيها تبدأ الإنطلاقة النفسية الرحبة التى تستجدى السعادة وهنأة البال ، وفيها أيضا تستجلب الكتابة عندى نوازعها فى محاولة استعادة نشاطها السحرى من جديد ، تأتى فتأتى معها أسراب من الأفكار الحافلة بالفوضى المنظمة ، العازمة على هجرة خضراء عشوائية الخطى لاستعادة نسماته من جديد فى مخيلتى ، حالة من الإتزان الشعورى كانت تثير عندى إحساسا من التفاؤل والشجن والحب والنقاء ، وأطيافا كثيفة من رغائب وأحاسيس كانت تتولد مع قطرات الندى ، وزقزقة العصافير ، وزهوة بهجتها على الأشجار ، أعانق بها شمس الأمل بصفاء وزرقة سمائها ، وأمرح فيها على كسوة البساط الأرضى .. شديد الإخضرار ، لازلت أتذكر كيف كنت أتحول سريعا إلى هذه الحالة بعد الوقوف الطويل أمام قوافل الشتاء التى كانت تدفعنا دفعا وتجذبنا انجذابا ، بين ليل وجنون ، أمطار وغيوم ، ورياحات عاتية ونسائم كائبة ، كامنة فى منعطفات الشتاء الكثيرة فى حياتى ، فإذا بى أبددها لتتلاشى ويسكنها الأمل ويتجدد فيها الحياة بعين باسمة، وقلب واع، ووجدان يتحدى الخطر ، فهى كالعود الجاف الذى تنبثق عصارة الحياة منه ، وحلكة الظلام التى تتسلل خيوط النور الرقيق فيها ، فلادوام لحزن أو قلق أو خوف ، إن الأمل إرادة حياة ، فى الربيع تلتصق فى كيانها وتسرى فى جسدها وعقلها ونفسها وروحها ووجدانها لتجعل منها طبيعة خلاقة فيها مافيها من جمال فطرى تؤثر النفس التواقة ائتناسا وبهجة وسعادة . أتذكر أننى يومها بدأت كتابة هذه السلسة التى تولدت من رحم هذه النفسية المعالجة بنسمات الربيع الرقيقة التى تلفح الوجوه الضاحكة .. والنفوس المبتسمة ، فأنتجت من الحب وفاءه ، ووقفت عند اقترانهما معا .. الوفاء والحب ، تابعنى فيها من تابعنى ، وشجعنى فيها ماشجعنى ، حتى عشناها تجربة بحلوها ومرها ، نعود لبعضنا البعض فى قيمة أحداثها ومواقفها ، على أن بدايتها لم تكن سوى فكرة شريدة كتبتها وأنا أعزف على أوتار ماأحب أن أتخيله وأتمناه ثم أنزفه على باب الذكريات . حتى لاقت استحسانا من متابعيها ، فتشجعت فى جرأة متناهية على خلق مساحات أكبر وأحداث أكثر ، فتوالت التشريدات من واقع نفسى أتخيل وأكتب عن نفسيتين جمعت فيهما كل كوامنى ، وكنت أنشر كل جزء مع بداية كل شهر حتى أدركت الفصل الأخير وكتبته ولم أنشره ، ثم تفرق الجمع وباعدت بنا المسافات ، وتوقفت عند وضع اللمسات النهائية لرومانسية الحبكة الدرامية التى ادخلت نفسى فيها حشرا ، البعض كان يريدها نهاية سعيدة لقصة حب ناجحة على طريقة الأفلام المصرية ، والبعض الأخر لم يتحمل فكرة البعاد أو الفراق ، وآثر ألاأنشره ، أرادوا ألا تنتهى القصة الجميلة بألم وفراق وأن أتركها لخيال كل من يقرأها حسب تقدير خياله للنهاية . أتذكر جيدا على هذه الخلفية كيف كانت علاقاتى بالكثير من هواة الأدب والفن ممن كانت لهم رؤية وفكر .. يكتبون ويحللون ، فكثيرا ماكانت تدور حلقة النقاش معهم عند نشر كل جزء ، ولَكَم استفدت منهم ومن نقدهم ورؤاهم الكثير ، ولكن بقيت محصورة فى حدودهم ، ولم يقرأها غيرهم ، ولطالما تمنيت أن يقرأها كل أصدقائى حتى يعرفوننى من كلماتى ، حيث كنت أغوص فى أعماق نفسى غوصا عبر خيالى الرحب واستحضر مايختبئ فيها وألقيه على شاطئ الأوراق ومداد الكلمات بكل تفاصيلها ، لدرجة أننى لم أجد متعة حقيقية فى كتاباتى المتنوعة بقدر ماوجدتها عند كتابتى لهذه السلسة الجميلة فى تقدير معنى الوفاء ، وكيف كنت أراه أنه من أرقى أنواع الحب الكثيرة والمتنوعة ، وبالطبع ليس هناك أفضل من أن تعشق أنثى ، وليس هناك أجمل من أن يكون عشقك لها حياة ، ربما الصورة الذهنية للحبيبة التى تتمناها النفس غير محققة فى الواقع ، ولكن الخيال الخصب يستطيع أن يجسدها بكل سهولة ويسر ، من هنا جاءت أنثى الكلمات واثقة الخطى ، بإطلالتها المبهجة وتصرفاتها الذكية فى سمعى صوتا دافئا حانيا مع انبعاث ضوء خافت بسحر الليل .. إمرأة قادمة من الماضى من زمن الوفاء إلى حاضرة التشوق بعطش الروح .. تواقة للحب برغبة عارمة للسعادة . أضاءت بصوتها المساحات الكبيرة من ملامح حلمى القديم الذى كنت استشرفه بتأملاتى الدائمة وأحلام اليقظة ، وفجأة ودون ميعاد حقق خيالى المعادلة الصعبة ورأى كيانا حيا من صنع الكلمات يحقق لى عودة الحلم بصورة أخرى بديلة ، صورت فيها لنفسى عند البدء أنها مجرد هواجس داعبتنى أردت من خلالها تفريغ الملل من حولى وقطع المسافات الطويلة اللاهثة وراء سراب والقبض على الحزن وطمس أعماقه وسكب مكانه الفرح ، فاذا بتدفق هذه الطلعة المبهرة يأتى كانحدار جدول الماء فوق أرض عطشى ، ليؤكد أنه هو ذلك الصوت الذى طالما كنت أحياه فى أحلامى ، وهى نفس الضحكة التى بقيت تزهو فى خيالى ببوح وجدانى عميق طالما رجوت أن ألقاه فى حياتى . إنها انثى الصوت والضحكة التى عاشت فى كوامنى كحلم العمر بنفس ظمأى عانت سهر الوحدة وسهد لياليه الطويلة تراوحت سنواته مابين هدم الحواجز الزجاجية التى كنت أرى حياتى من ورائها باهتة لامعنى لها ، وبين ارتفاعها الشاهق فى واقعى فى انتظار أن يبقى الحلم يوما حقيقة .


استخدمت المواقف الحوارية استخداما جوهريا فى بعض المواقف بينى وبين بطلة الحدث فى البناء الدرامى للموضوع غير المخطط له ، فكانت عبسية الأحداث عنوانا لأفكار تتسم بالعفوية فى الكشف عن دواخل شخصيتين كنت أنا أحدهما ، فكان طبيعيا أن أفصح عما فى نفسى بمنتهى الطلاقة والسهولة ، أما الطرف الأخر استوحيته من نسج الخيال واخترت شخصية فرعونية بفرض التوقع  النسبى لدى البعض على رصد الأحداث على أنها حقيقية كُتبت عن إنسانة موجودة بعينها أردت بذلك درء الشبهة نهائيا عن هذا الفكر وخاصة أننا كنا نتعامل من وراء جهاز لانرى فيه أنفسنا فكانت هناك اتفاقات واختلافات فكرية تتسع وتضيق حسب المكون الفكرى والوجدانى لكل الشخوص الموجودة ، وللأسف كان يحدث الكثير من الاختلالات فى الرؤى فى نوعية علاقات التواصل الفكرى والاجتماعى والأدبى بمنطق أننا نكتب فى مدونة متاحة للجميع ومفتوحة فى تحديد شكل العلاقة وفقا للاهواء، لذلك ذهبت لأبعد نقطة فى اختيار زمن ومكان الحدث ، لم أجد أمامى أفضل من العصر الفرعونى السحيق لإعجابى به أولا ولبعده عن زمن السرد ثانيا ، والحضارة المصرية القديمة بكل مكوناتها كشفت بسهولة وبإدراك ووعى أنها كانت أعمق إدراكا للطبيعة ، فجعلت المرأة مقرونة بها بل هى الطبيعة نفسها فهى القادرة على استمرارالحياة والنماء والبشرية ،  فالمرأة الفرعونية كانت تمثل الطبيعة فى صورة إنسان  وكما قدس المصرى القديم بعض مظاهر الطبيعة – رغبة ورهبة – كالشمس والقمر والخصوبة ، قدس أيضاً المرأة ورفعها أحياناً إلى مراتب الآلهة مثل أسطورة الإلهة إيزيس ، من هنا جاءت فكرة الكتابة عن الوفاء والحب ، إيزيس كانت رمزا لهما ، وهاميس الشخصية المختارة بعناية لتكون بطلة الأحداث مستوحاة من أحداث الفيلم السينمائى " عروس النيل " كانت تمثل نقاء الحب وعفويته حيث لقت حتفها بين أحضان النيل حبا وفداء وتضحية من أجل الأخرين ، ثم جاءت لتعلمنا كيف يكون الحب وماقيمة الوفاء فى زمن قل فيه الوفاء وتميز بالجدب وقلة العطاء وضياع المبادئ وأخيرا الحب ، حيث تظهر لى من خلال رؤية حقيقية ، جاءت برسالة فتلاعبت بها الأقدار ، أحبت وعشقت فعانت وصدمت وخافت وارتابت ، إنها فتاة فى مقتبل العمر، تؤمن بالعواطف ، وفى نفس الوقت تهابه ، تحس أنها لا تستطيع أن تعيش من غيره ، ولكن بعد أن جاءها حيرها .. عاشت مرتابة خائفة من شيئ ما أذاب فى فؤادها كل لحظة هناء عاشتها أو تريد أن تعيشها مع من أحبته بإرادتها لا بإرادة أهلها وعشيرتها كما سبق وأن فعلوا بها . خوفها أصابها بنوع من القلق المدمر، تريد أن تطمئن قلبها كى تهدأ وتستريح ، ولكن لاتعرف سبيل الوصول إليه ، ولا من أى طريق تذهب ، فيأست من مجيئه ، كانت لاترتاح هنيهة إلا ويزحف عليها علامات الحيرة والشك مرة أخرى أن سعادتها ستدوم ، فيتولاها القلق المر ولايتركها ، وكثيرا ما ظنت أن العيب فيها ، فعانت وساءت نفسها كثيرا ، ربما كان ذكاؤها الشديد وأنها دائمة التفكير والتأمل سببا لهذا الشقاء ، أتراها لو كانت أقل ذكاء وأقل إمعانا فى التفكير والتأمل، هل ستكون أسعد حالا، وأسرع تصديقا لمخالفة مخاوفها ، وأقرب إلى الاستقرار والسعادة التى طالما كانت تنشدها . كانت أحيانا أخرى تتهم نفسها بالتقصير ، وكانت ترى نفسها أنها لم تستطع التوفيق بين حبها وحياتها ، وبين حياتها وحياة حبيبها لأنها من زمن وهو من زمن أخر ، ولذلك ارتابت كثيرا فى كيفية تأقلمها مع حياة لم تعشها بعد ولم تعتد عليها ، واحتارت كثيرا فهل كان من السهل عليها نسيان ماضيها وحياتها ، هل أهلها سيتركونها تعيش وتحب كما أراد قلبها ، وهل لو حدث ذلك وباشرت حياتها الجديدة هل ستستطيع التأقلم مع الناس وهذه الحياة ، لذلك كله عاشت فى ريبة وتوجس وخوف أن تغرق فى بحر لا تجيد السباحة فيه كما غرفت من قبل فى النيل وتياراته . ظلت الهواجس تملكها وتنغص عليها حياتها ، وبقيت أسيرة ميراث أهلها ، وسؤالها الدائم الذى كان يؤرقها ماالذى اقترفته فى حياتها حتى تصل إلى ماوصلت إليه من تعاسة وسوء حظ ، وما ذنبها حتى ترث مالا ذنب لها فيه ؟ ، وأخذ الخوف يتولاها من جديد ، خوف مرير انسحب على كل شيىء فيها بل امتد فى حياتها كله ، مالبث أن تحول إلى صراع نفسى عميق اعتادت أن تحدث بها نفسها عن مخاوفها وهواجسها دون أن تُشعر حبيبها بشيئ منها ، كانت تبدى له مابداخلها من لمحات السعادة فقط إذا ماأحست بها ، ولكنها كانت تضمر فى نفسها لمحات الشقاء إذا قاست منه وما أكثرها . هكذا كتبت وأفضت كما أردت أن أكتب دون أية قيود فكان منطقيا ومع خلق هذه المساحات الوهمية أن أتحكم أكثر فى التنقل بين هذه الأزمنة المختلفة البعيدة والمتباينة عبر آلية التذكر عند البطلة ووصف حالتها النفسية بمنتهى الدقة من ناحية وعبر الحوارات النفسية مع نفسى والتى كنت أجيدها إجادة تامة وأكتبها ببساطة فى حوار درامى من غير افتعال من ناحية أخرى ، فعبر هاتين الآليتين يتم استعادة حوارات قديمة فى زمن السرد الراهن . لكن يكفينى أننى  كنت صادقا  وواضحا فيما أكتب ، وأن ماأكتبه هو تصوير لحالة نفسية بحتة وليست مذكرات لأحداث حقيقية، لم يكن القصد منها النشر بقدر أن تكون تنفيسا عن حالة رومانسية خالصة هى حالتى .


والأن سوف أترككم مع عشرة أجزاء ، هى رحلة رومانسية سريعة عن تصورى للحب كما أراه ، وللوفاء كما ينبغى ، أتمنى ألا أكون ضيفا ثقيلا على حضراتكم ، مع خالص شكرى وتقديرى لكم جميعا .
مع تحيات : عصــــــــــــــام 

                                                             القاهرة فى مايو سنة 2013









الحلم ( خلى بالك من زوزو ) 

هناك تعليق واحد: