music

الأحد، 8 يونيو 2014

وفاء إيزيس وعودة هاميس ( الجزء الخامس )



كل ليلة أدعى كذبا  أننى سآوى إلى النوم وحين أتمدّد فى فراشى أفتح نافذة سهادى وأقفز منها إلى قلب ذكرياتى ، فتأتى هاميس وتتصدر مشهد أحلام اليقظة ، إن علاقتى بها لم تكن مجرد علاقة عابرة خلقتها الظروف أو علاقة مجنونة بلا اتزان ، بل هى أقوى وأعمق من ذلك بكثير ، فليس الذى يربط كلانا قيد من حديد أو موثوق برباط عنوة ، إنما هو شيئ أرق من النسمة .. يداعبنى ولاأراه ، وأكثر حرارة .. يشعرنى بدفئه ولااتبينه ، شيئ كالخيط الرفيع الذى يربط الجنين بأمه يستمد منه الحياة ولايتباعدا . فكيف أمسحها من ذاكرتى ولاأفكر فيها ؟! كيف أوقف السيل العرم من الحزن الذى ظل يهطل وحده وكأنه شلال يتدفق فى أودية الجدب للبحث فى لهفة عنها ؟! كيف أتخلص من براثن الهجر بعد أن أشاعت ضبابا كثيفا اكتنفنى منذ أن غادرت دنيا أحلامى ، ثم تكسف وبخرته نيران اللوعة المشتعلة فى قلبى فتلاشت معها أفراحى وتحولت فى مخيلتى إلى قطرات من الماء هى نفسها الدموع التى اجترتها عيونى ، وأجراها الحنين فى رحلة البحث عنها فى كل مكان كى يرتاح فؤادى اللاهث وراء أشواق تُفضى لأشواك. إننى لازلت بين الحين والحين أُمنى نفسى باشتياق لشعاع نور يضيئ من جديد .. لهبوب تيار أمل يجرف طوفانا من السعادة ويردها لى . وأحيانا أخرى تتملكنى حالة من اليأس وتدفعنى أحزانى إلى رد فعل معاكس .. إلى ندم شديد على الوقت الذى أهدرته معها ، والورود التى نثرتها أمامها ، والشموع التى أضأتها لها والدموع والقلق والخوف عليها ، وماقلته لها وماقالته لى .. يالها من مشاعر تتلاعب بإحساسى وتجعل المتناقضات تسير فى اتجاه واحد . ماكل هذه الهواجس ، أهذا حلم جميل أم كابوس سيظل جاثما على قلبى وعقلى ووجدانى .


وفجأة وجدتها أمامى بعد كل هذا الوقت بلا تمهيد ودون سابق إنذار ، نعم رأيتها وكأننى لم أرها من قبل بهذا الوضوح ، بدت بابتسامتها العريضة المضيئة .. كأنما أرادت أن تقدم لى اعتذارا بدعوة فاخرة كى تمحو كل ماسببته لى من معاناة وتعاسة فى أيام الهجر الماضية .. دعوة بأن تكون أكثر قربا .. عيناها السوداوان اللامعتان جميلتان كعادتهما .. متألقتان مشوبان بالقلق والترقب .. نجمتان فى رعشة دائمة حائرتان ، خداها متوردان بحمرة .. متناغمان مع شفتيها المكتظتين المتفجرتين المرتعشتين أيضا خجلا ، جاءت بثوب أحمر فضفاض أحال المكان إلى جمرات متقدة اجتاحتنى بحرارتها مع كل خطوة كانت تخطوها نحوى بتبختر واختيال . بدت كعصفورة على غصن بان يتمايل ، إنها تحفة أنثوية رائعة قائمة على ساقين ملفوفين مستديرين وخصر صغير بهرتنى كعادتها كما كانت تبهرنى كل مرة أراها فيها، بادرتنى بأول همسة من شفتيها : عصام وحشتنى جدا وياترى كنت وحشاك مثلى . قاطعتها بشيئ من الحزم : هاميس قلتها فى غيابك آلاف المرات ولكنها تعقدت على لسانى الأن ولاأظن أنه يوجد عندى ما أقوله لك ، بل أريد أن تسمعينى لآخر مرة ، قالت : حبيبى لماذا تقابلنى بهذا الهجوم الذى لم اعهده منك قط  ، ولماذا قلت أخر مرة وهل طاوعك قلبك أن تقولها بهذه البساطة ، ومن أين جئت بكل هذه القسوة ، وكيف وصل بك الحال لهذا ؟  قلت : أنت التى أخترت هذا ، استهنتى بحبى لك ومدى ارتباطى بك ، لقد لاقيت على يديك العذاب الهوينى ، قالت : نعم أعلم هذا جيدا وتوقعته ولكن كانت ثقتى فى حبنا كبيرة ، جعلتنى مطمئنة ألا يهز عرش هذا الحب الكبير أية عواصف ولايعصف به أى ريح ، وأظن أنك تعلم تقديرى وحبى لك ، ولكنك لاتعرف مدى تضحيتى من أجلك ، لاتنسى أن من سعى وجاء إليك طواعية هو أنا ، لم تكن تعرف عنى شيئا . قلت : ليس الاعتراف بالحب دليلا عليه ، قالت : أتشكك فى حبى لك ياعصام بعد كل مافعلته من أجلك حتى ترانى ، إننى جئت لك بعد أن فقدت الأمل فى رأيتك مرة أخرى ، قلت : وماذا يعنى هذا ؟ أتريدين إقناعى أنك كنت معذبة مثلى ، قالت : نعم عصام بل تعذبت أكثر منك بكثير . قلت والغيظ يتملكنى : أكيد ليس بسببى ، لأن من يكتوى بنار الحب يُقدر أيضا عذابه وأظن أنه لايتمناه لمن يحبه ، وأنت تركتينى فى عراء الهجر ، أواجه تحدياته ، عانيت ماعانيت ، عشت بإحساس مكتئب ، بل أقول لك أكثر من هذا ؟! أقول لك أننى كنت مثل الغريق الذى أصابته موجة شديدة عاتية غمرت حياته ولاتزال روحه تجابه الحياة وتجاهد التنفس ، أقول لك أننى كنت مثل من أصابته صاعقة ولايزال يعانى من ضييق الصدر جراء دخانها الكثيف المتصاعد منه حتى خنقته ولايعرف كيفية الخلاص ، أقول لك إننى كنت مثل من ضرب حياته زلزال فزلزلته وحولته التوابع لحطام ، الفكرة التى كانت تمور من حولى هى التى أعود إليها بين الحين والأخر ، هل كل هذا كان مجرد حلم من أحلام اليقظة ، أوضربا من خداع النفس ، أونزوة من نزوات الجنون المؤقت ، وأننى حتما سأفيق ذات صباح ، فأدرك أننى توهمت كل شيئ ، توهمت الموجة التى أخفت الشواطئ التى تعودت عليها ، والصاعقة التى أحرقت كل الأماكن المألوفة لدى ، والزلزال الذى غير كل المعالم من حولى ، حتى أستفيق مما أنا فيه . ثم أعود وأقول لنفسى كيف أتوهم وجودك فى حياتى ، إننى لست مجنونا ولاغائبا عن الوعى ، لأنك بالفعل حقيقة وحتما ستعودين يوما ما , وانتظرت طويلا على هذا الأساس ، وتهت مع أيامى وأصبحت كما ترين ، وهكذا تصورتك ، وإلا مامعنى غيابك الذى تجاوزت حدوده خلاصى منه وصبرى عليه ، انتظرتك طويلا ويالاعذاب الانتظار ، ولكن مع الوقت أحسست أن شعورك لم يكن صادقا كما فهمت ، وهذا لايعنى سوى أنه لايضايقك أن تعذبينى لأنك عرفتى كم أنا أحبك ، وتأكدتى أن الحب نما وأورق وأزهر وكنا قد اتفقنا ألا نفترق ، ولكنك أول من نقض العهد وافترقنا حتى دون كلمة وداع ، كل ماكان يهمك فقط هو كبرياؤك .. كبرياء الملكات عندما يشعرن بحبهن للرجال البسطاء من عامة الشعب ، يشتقن إليهم ويحرصن ألايخبرهن بحبهن ، وتأبى أنفسهن على الإعتراف به لهم رغم أنهن يذوبن فيهم ذوبانا . إننى كنت أشعر بمرارة ذلك وكنت أرى نفسى مثل من تعذب فى هواك وهم كثيرون ، فتناسيتى كم سأتألم فى غيابك بل بدا لى أنه لايهمك إن كنت أتعذب أم لا ، لقد أكدت الأيام أن هوايتك عذاب الآخرين والتلذذ به .
وهنا نظرت لى بنظرة منكسرة حزينة تراقصت أهدابها الطويلة بدموع اغرورقت بها عيناها وسالت على خديها فإحمرا كأنهما جذوتان تتقدان ، اضطربت معها أنفاسها وارتعشت يداها وبدا وجهها مكفهرا: عصام أنت اتغيرت ، هل خاب أملك فىّ إلى هذه الدرجة ؟ هل كان يعنيك أن نبقى معا دون الالتفات إلى ظروفى ؟ ولو كان كلامك هذا صحيحا أليس من حقى على الأقل إعطائى فرصة ولوصغيرة حتى أدافع بها عن نفسى وأقول لك مالاتعرفه ، ربما لو سمعتنى ماكان لك بحاجة إن تقول كل ماسمعته منك الأن ، وتكون قد سمعت مايصادف فى نفسك هوى أو تجد فيه مايريح قلبك ، ويستكين له فؤادك ، لإنك لاتعرف أى شيئ ، لقد صور لك عقلك شيئا وغاب عن قلبك أشياء ، لقد تحديت أهلى من أجلك ، حيث تم أسرى بسبب حبك ، لقد غبت عنك كرها ياعصام ، وكان يجب ألاتسيئ بى الظن إلى هذه الدرجة ، ولاتسألنى بعد الأن عن سر عذابى ، لأنى لن أقوله لك . تلاشت حدتى فجأة وأدركت مدى الورطة التى وضعت نفسى فيها فبادرتها محاولا قطع مواصلة حديثها الموجع بإرادة تغيير مساره فقلت لها : هاميس أرجوك أعذرينى ، لإننى كنت قلقا جداعليك ، وكم تمنيت على الأقل الإطمئنان عنك ، حاولت ولم أعرف كيف أصل إليك .. سهرت ليالى طوال .. جفانى فيها النوم ، أرجوك قدّرى حالتى وماكنت فيه ، والبعاد كما يقولون جفاء ، والبعد عن العين هو بُعد أيضا عن القلب ، ظننتك تتلاعبين بى . حاولت الإتزان فى كلامها : عصام لاتسألنى عن حبى لك لأنه غير قابل للنقاش ولا للمزايدة عليه ، فلاشيئ يقتل الحب سوى كثرة السؤال عنه وسوء الظن به ، فهو فى براءة الطفل الصغير يحب أن تروى له الحواديت الجميلة همسا حتى يجعله ينام بهدوء فى قلبى وقلبك. ولكن لك أن تعرف كم كنت أتعذب من شدة أشتياقى إليك ، كانت كل ليلة تمرعلىّ ولم أرك أموت فيها مائة مرة ، حتى جئت إليك هاربة من أهلى ومن مصيرى بسبب حبك ، بعد أن علمت منهم أننى أمام علاقة مستحيلة . مرت علىّ أيام وليالى كثيرة تمنيت أن تنسانى ، فلو كنت نسيتنى لوضعت حدا لمعاناتى وتركتنى وحدى أتعذب ، إلا انك انتظرتنى وآثرت حبى وتمنيت أن ترانى من جديد ، شعرت بك وأحسست بحبك ينمو فى قلبى بقوة جارفة تملكتنى واكتنفتنى بشعورغريب يتألق بداخلى وينمو بعنف لم أعهده فى حياتى الماضية كلها ، وفى غمرة العشق الداهم فعلت ماتود أى انسانة محبة صادقة أن تفعله ، فكرت فى الهروب إليك وتحينت فرصته حتى جاءت وأتيت لك بكل عنفوان حبى الذى أحمله فى قلبى بفرحة الشوق ولهفة اللقاء ، وظننت أنى أعددت لك مفاجأة سارة بأننى سأعيش معك عمرى الذى لم أعشه بعد ، نعم هربت من أجلك بقرار لم اتخذه بعد دراسة أو تفكير ، ولاأعرف لماذا ؟ تماما كما قادتنى الطرق إليك دون تخطيط أو نوايا مسبقة أو إنذار ، ولكنى أحببتك ووجدت نفسى أحتاج إليك كاحتياجى للأكل والشراب والنوم ، مع الفارق ، أن هذه الأشياء نحبها بحكم العادة ، ولكننى أردت أن أحبك بحكم الحب . أعرف أن لديك الكثير من الأسئلة التى لاأستطيع الاجابة عنها الأن وقد لاأستطيع أن أجيب عنها فى المستقبل ولكن من حقك أن أوضح لك بعض الأمور ولاتتوقع أن أشرح لم أحببتك ؟! لأنى لاأعرف السبب ، وقد اقتنعت بعد عناء طويل أن هذا جزء من قدرى الجميل علىّ أن أتقبل من أجله الوقوف راضية ضد أهلى والدنيا كلها ، لكن دعنى أخبرك بأن حبى هذا أحال حياتى إلى سجن وأكل قلبى وامتص عقلى وسرقنى من نومى ، عرفت على يديه معنى التوتر والقلق والخوف والعذاب والألم .. معنى الانتظار الطويل ، إن صورتك لم تغادر خيالى كنت أحدثها وأنا أعلم أنك لن ترد علىّ ، وأعلم أيضا أنك ستجد فى غيابى فتيات غيرى أخريات من زمنك مثل الحكايات الكثيرة التى حكيتها لى عنهن عندما كنا نجلس معا على ضفاف النيل ، خفت أن تحل مكانى أخرى كثيرة الحظ وقليلة الخجل ، تغازل طموح عينيك وأنا المفتونه بهما قبلها ، بمجرد أن أتخيل هذا كان جسدى كله يرتجف والنار تضرم فى قلبى ، وتثير الغيرة فى نفسى أشياء كثيرة كانت تسهدنى وتنغص علىّ حياتى .. نعم إننى كنت أغار حتى من هذا الخاطر ، ومع كل ذلك كنت أريد أن أغار وأن أحترق وأتعذب فى حبك أكثر وأكثر وأكثر .





ثم سكتت وقد اشتعل وجهها حمرة وتصبب العرق على جبينها وانهمرت الدموع من عينيها .. ثم أجهشت بالبكاء وقالت فى صوت مخنوق : عصام لقد تمنيت أن أعيش معك بلا وعد .. بلا كلمة .. بلا معنى لأى شيئ ، ربطت حياتى بحياتك وأنا أعرف أن دنياى غير دنياك وأعلم أننى أفعل المستحيل لأشياء لاتعرفها أنت ، وكل ذلك كان باختيارى ومحض أرادتى ، كنت فى زمانى ليس لى حق الإختيار رغم أنى عرفت الحب وأنا صغيرة ، ولكن استسلمت لقدرى كرها وإذعانا عندما أصبحت شابة جميلة وتهت فى أحضان النيل أزمانا وأزمانا ، والأن غيرت شرعتى وكسرت نواميس حياتى ، وتحديت زمانى ومكانى .. نعم تحديت من حولى من أجلك ، وهربت إليك ، فعلت كل ذلك لأنى أحببتك .. حبك كان قدرى ياعصام . وعلا بكاؤها وانتحبت بدموع منهمرة ، حديثها أفقدنى النطق .. ألجمنى وفجر من حولى نورا على جوانب حياتى كلها لم أره من قبل ، تلك الحياة التى خيمت عليها ظلمات اليأس منذ غيابها . أومأت رأسى خجلا ، بدت كلماتى وكأن فى فمى غصة محشورة تمنعنى من الكلام ، أغمضت عينى ، حيث لاحت فى مخيلتى أفكار كثيرة أردت بها أن تتغاضى عن كلماتى  التى اوقعتنى فى هذه الدوامة الغريبة التى لم أقصدها ، فأنا لاأعرف أغوار المجهول . أردت إبعادها عن منطق الحديث الذى هزمتنى فيه ، بإطلاق العنان لعقلى عائدا إلى الوراء قائلا لها : هل تذكرين حينما تقابلنا أول مرة فى تلك الليلة المبهرة عندما وجدتك أمامى فجأة .. كنت تنظرين لى بعد أن زالت رهبتى لوجودك الغريب ، كنت أبادلك النظرات التى كانت تحبس الأنفاس ، ولاصوت يعلو حولنا سوى العزف على أوتار العشق الوردى الذى أخذ يصدح فى أرجاء المكان ، أذكر جيدا عندما تلقفت شفتايا أول قبلة منك لم أعرف مثلها فى حياتى كانت مثار حديث النفس كل ليلة ، وظننت أننى فى حلم جميل وصحوت من نومى لأجد الحقيقة بوجودك أمامى ، وكانت أجمل حقيقة عرفتها فى حياتى ، اكتملت باللقاءات التى كانت تأخذنا إلى عالم أخر بعيد ، أحيانا كانت لقاءات عابرة وأحيانا أخرى كانت طويلة ، أجل ياهاميس موضوعات وأمور كثيرة تتقاذف وترتطم برأسى ، جزء منها رائع والجزء الأخر غريب ، جعلتنى مع الأيام انتشى عطرك المميز، حتى فى غيابك لم تفارق أنفى ، لقد نجحتى فى اقتلاع شجرة الحزن من جذورها التى كانت دوما تؤرك حياتى ، أجمل أحساس كان يغمرنى عندما كنت تفاجئننى بحضورك الرائع الغريب ، لأول مرة فى حياتى أتذوق طعم السعادة حينما كنت تشعلين من حولى نار حبك العتيق ، وكنت تواقا لزمنك الرومانسى الذى طالما حدثتينى عنه كثيرا ، صحيح قد يكون الذنب ليس ذنبك ولاذنبى ، ولكنه القدر .. القدر أن تتعذبين وأنا أحترق وأدخل فى سكرة العشق فأغيب وأفيق لأجد مزيدا من الحب و مزيدا من الانتظار المر الطويل ، هكذا كنت وهكذا أصبحت ، ولكن بعد ماسمعته منك ومن أجل كل ماقلته ، وبكل عنفوان حبى اسمحى لى أن أقدم لك اعتذارا رقيقا ، وأقول لك آسف ، لقد نطقتها كل جوارحى قبل لسانى وماتعودت أن أتأسف لأحد فى حياتى .



قالت مقاطعة كلامى وقد ازدادت دموعها اهمرارا كأنه شلال : اسكت ياعصام لاتتأسف لى ، فحبى لك غفر كل كلمة قلتها ، أرجوك لاتعتذر مرة أخرى ، بل ضمنى لصدرك ، إننى أشعر ببرودة قارسة تجتاح جسدى ، إننى أرتجف والبرودة تقترب من قلبى ، إن جميع أطرافى ترتجف ياعصام ، إنى احتاجك .. احتاج لسماع أحلى كلماتك.. أريد الشهيق وأنا ملقاة فى أحضانك الساحرة .. أريد حنانك .. أريد الهرب إلى ذراعيك .. أريد التشبث بقميصك .. أداعب صدرك بأناملى ثم ألقى برأسى عليه وأغفو كى ارتاح .. ياه هل تذكر تلك الأغنية التى كنا نسمعها معا بصوت حليم الذى جعلتنى أحبه مثلك ، وأنا أداعب أزهار النرجس المدفونة فى دهاليز صدرك ، هاهى تزهو ثانية ، اسمعها منى . وغنتها بصوتها الأنثوى العجيب الذى يحمل عنوان الرقة والدلال " إشتقت إليك فعلمنى ألا أشتاق ، علمنى كيف أقص جذور هواك من الأعماق ، علمنى كيف تموت الدمعة فـى الأحداق ، علمنى كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق " ثم اردفت : أجل إنى مشتاقة ومتلهفة لوضع رأسى على صدرك الحانى فجسدى لازال باردا ، قلت لها : هل تعلمين ماذا أريد الأن ؟ قالت بعينين غافيتين : ماذا ؟ قلت : أن أضمك ضما أغيب فيه عن كل الدنيا وأعيش معك عمرى كله حتى ولو للحظة واحدة ، هاميس ستعرفيننى جيدا مع مرور الأيام .. سأكون رجلا مخلصا لك ولحبك أبد الدهر ، ستجديننى معك فى كل ليلة ، سأجعلها ليالى دافئة .. ناعمة ، أطبع على جبينك ووجنتيك قبلات بيضاء تأخذك إلى عالم من السحر .. عالم من عوالم ألف ليلة وليلة ، ولاأريد منك الأن سوى قبولى زوجا لك يشاركك أفراحك وأتراحك ، وأتمنى أن أكون لك إبتسامة تمحو كل لحظة بائسة أو يائسة فى حياتك المليئة بالنوازل وأجعلها حياة جميلة . نظرت لى بنظرة يملؤها الدفء وقالت : تعرف ياعصام أنا مثل من ، مثل الفراشة التى تدور مفتونة ومسحورة على مركز اللهب ، وأنت اللهب الساحر المضيئ والمحرق فى ذات الوقت ، أسعى إليك وأعرف أننى أسعى إلى حتفى ، والهرب منك كالهرب من نبض القلب .. كله يؤدى إلى الهلاك .. فأين المفر ؟ أين المفر من حبك فهو جذوة النار ، وهاأنا أعود لك مدفوعة بقوة الجذب العشقى من أبعد مكان فى الكون ولاأخشى لهيبه ، حتى ولوسقطت صريعة له ،يكفى أننى سأموت وأنا على صدرك وبين أحضانك بعد أن حلمت يوما بأننى عشت على عشب قلبينا الذى زرعناه معا .


  
ران علينا وقت طويل دون أن نهمس بكلمة ، مددت خلالها يدى إلى عينيها الجميلتين وجففت ماتبقى من دموعها ، ثم ألقت بنفسها فى حضنى ، أحتضنت قلبى بقسوة حتى كادت أن تدفن رأسها فى صدرى ، لدرجة أننى تخيلت كأنها تدخل بينى وبين النفس الذى استنشقه ، أغمضنا أعيننا ورحنا فى دوامة قبلة أعرف ملمسها جيدا ، ولكن هذه المرة كانت قبلة عنيفة حملت كل كلامنا وكل أحلامنا على بساط سحرى ثم ذهب بنا إلى حيث لاندرى ، ولم أفق ولم أدر إلا وهى واقفة بقامتها الممشوقة عند الزوايا القريبة وعند المنعطفات الباردة من حياتى تترقبنى بكل حنان .. صدرها يرتفع ويهبط مع نبض قلبى ، لقد أحالنا الحب إلى عالم آخر تمضى معه أحزاننا وتخمد فيه حرقتنا وعذابنا ، عالم من نور نمشى فيه بخفة متناهية ، تكفينا فيه نظرة واحدة متبادلة بيننا لتندفع أنهار من النشوة والسعادة فى كيانها الأنثوى وفى كيانى المفعم بكل الحب ونمضى إلى المجهول الذى لازلنا لانملكه ولانعرف عنه شيئا بعد ..


   وإلى أن نلتقى فى الجزء السادس ، لكم منى أسعد الأوقات وأطيب المنى .





مع تحيات ، عصـــــــــــــام


                                            القاهرة فى يونيو سنة 2014


 



الخميس، 17 أبريل 2014

وفاء إيزيس وعودة هاميس ( الجزء الرابع )


المرأة عندى لها مكانة كبيرة ، كيانها الأنثوى دائما مايأخذنى لأفكار جديدة بمنطلقات عديدة ، أحاول أن اكتشف من خلالها البعيد فى كينونتها وطبيعتها التى أراها إحدى عجائب الدنيا ، فالله سبحانه وتعالى أودع فيها ملكات وأشياء وصفات بطبيعة خاصة فى حاجة إلى تأمل دائم وفكر مستحوذ ، فمنذ بزوغ التاريخ الإنسانى كانت الحضارة الفرعونية القديمة أعمق إدراكا لطبيعة المرأة الخلاقة التى ربطت قيمة التفوق الزراعى بمبدأ الأمومة ، ولما كان العطاء والخصوبة والنماء والرحمة والوفاء والعدل والبقاء من سماتها ، أصبحت المرأة المصرية مخزونا للحضارات ، وأقتُرنت بالطبيعة فجعلتها فى منازل الألهة ، مما اكسبها قدسية ومهابة ، وأصبحت فى الكون سرا من أسراره ، ثم أختلفت الأجيال التالية فى تقديره ، فتحول السر إلى لغز ، واللغز إلى وصف ، وتنوع الوصف بأنها واجهة الكون الجميلة ، وأنها تمثل مباهج الحياة ، وصيرورة الدنيا الحزينة ، وأنها هى نصف الحياة أوالجنس الأخر ، أوالجنس الضعيف ، أوالجنس فقط ، والمرأة ليست جنسا رغم أنها تملكه ، ولكنها شخصية وعقلية أنثوية شديدة الذكاء ، متفجرة بالحيوية ، حساسة بطبعها ، مرهفة فى تكوينها ، ناضجة بالفطرة ، عاطفتها تغلب على حسها وذكائها  ، معطاءة دائما عند ملتقيات الطفولة والشباب والأمومة ، وهى منبت الحب ، فالحب أمرأة .. والعذاب أمرأة .. والحياء أمرأة .. والإحساس أمرأة .. والمشاعر أمرأة ، ولاأكن مبالغا إن قلت إنها مستحوذة على نسبة تسعة وتسعين فى المائة من وجدانيات ومشاعر العالم والواحد فى المائة الباقية فى الرجل هى مخصصة لها أيضا فهى التى تحركها كيفما تشاء ووقتما تحب ، ومن عجائب المرأة أنها محيرة للرجل فى تقديره لها ، وفى الصورة التى يحب أن يراها عليها .. هل هى حواء العارية .. أم الأم .. أم المربية .. أم العاملة .. أم المنتجة .. أم المثقفة .. أم الفاتنة .. أم الجذابة .. أم الجادة . وموقف الرجل من المرأة يدل على هويته تجاهها ، فهو فى مواجهتها إما عدوها ، أو مناصر لها ، أو من عشاقها ، وهذا يدل على أن المرأة بفطرتها وتركيبتها الفريدة تجعل الرجل طفلا كبيرا أمام عنفوانها لقدرتها الشديدة على الجذب ، وهذه حقيقة أثبتتها تجارب التاريخ وسجلتها صفحاته فى العديد من المواقف التى حفلت بدور المرأة فى تغيير مسار ومجريات صنع التاريخ وماترتب عليه من أحداث من خلال علاقتها بالرجل ووجدانياته . فكل مايتعلق بجمال وروح وعقل وقلب ووجدان المرأة مثير للغاية بل ومستحوذ على كل خلجات القلب وتلابيب العقل المهتم بشئونها  وكيانها، وهذا ماجعلنى أمعن النظر وأعيش منظومة التأمل والفكر ، بأسهاب ورحابة واتساع بغية الوصول إلى ثقافة خاصة عن كل مايتعلق بماهية المرأة أومكنون الحب .

مضت هاميس ولم تأت وبقيت أنا على حالى منتظرا ، تحكمنى تخيلات هاجرة بالنهار وأحلام منسربة فى المساء ، استنشق فيها عبق رائحة عطرها الأسطورى النفاذ كل ليلة وأمنى نفسى انها ستأتى فى الغد ، حتى تشعر أجفانى باسترخاء ، ثم بجسمى كله يسترخى واستسلم لنوم عميق بأحلام وردية جميلة ، وفى إحدى الليالى رأيت فى منامى حلما غريبا ولكنه كان رائعا بكل ماتحمله الكلمة من معان ، لازلت أذكر تفاصيله الدقيقة ، رأيت كما لو أنى جالس على حافة النيل وانشق النهرعن درج سيل صاعد من أسفله إلى أعلاه ، ثم حدوث فوران شديد أعقبه زبد أبيض شديد النقاء وماهى إلا لحظات حتى رأيت مشهدا مهيبا ، لم أر مثله قط ، رأيت موكبا ملكيا فخما عظيما يصّعد من جوف الماء ، ثم فوجئت بملكة النهر تتوسطه حاملة فى يدها صولجانا ، محمولة على مركب الشمس بين حملة المشاعل وقارعى الطبول لها طلعة مهيبة ، بقوام ممشوق فاضح التفاصيل ، تتحكم فيهم بإشارتها . أخذت تواصل تقدمها حتى بلغت الشاطئ الغربى من النيل حيث كانت وجهتى ، توقف الموكب وتقدمت الملكة بمفردها صاعدة على الحافة التى أقف عليها حتى وصلت على بعد خطوة واحدة منى ، ثم مدت يدها إلىّ ، لم أكن مصدقا لما أراه وكنت لا أعرف ماذا أقول لأن لسانى ألجم عن الكلام وعقلى توقف عن التفكير ، ثم دعتنى أن أمضى معها ، وبلا أدنى تفكير ولا تردد شددت قامتى ومددت لها يدى وسرت معها منقادا وسط الموكب ، ولم أشأ أن اسألها مستفسرا عن المكان الذى تقصده ولماذا ؟ ولم أدر مايدور حولى ، حتى الموسيقى المصاحبة للموكب لم تبلغ مسمعى ، أرى وجوه الناس تنظر نحوى عليها علامات الاستغراب والدهشة مستفسرين عن شخصى ، من ذا الذى نال رضا الملكة لدرجة أنها ذهبت بذات نفسها ومدت يدها إليه ؟! ، مستكثرين ماأنا فيه ، وللحق إننى فى وضع قد يتمناه أى شخص على وجه الأرض ، فأنا أصبحت نديم ملكة .. وليست أية ملكة بل ملكة فرعونية لها من المهابة قدرا ، ومن الجمال ميسما ، ومن المكانة حسنا وبهاء . بلغ الموكب الموضع الذى جاء منه وسرعان ماتغير شكل النهر مرة أخرى ، ولكن هذه المرة على شكل دوامة حلزونية كبيرة محدثة دوى هائل تأخذ أمامها كل شيئ لأسفله فى لمح من البصر ، كنت أنا وهى نتوسطه تماما ، بدأت أشعر بخوف غامض ، أخذنا الدفع بقوة هائلة لداخل النهر وبسرعة رهيبة لأسفله الذى امتلأ بالزينات المحاطة بالمشاعل ، تفوح منه نسمات من المسك ذكية الرائحة عبقة تتهادى مع الموسيقى المعبدية من كل جانب . بدأنا نغوص فى المياه والمشاعل المحترقة تغوص هى الأخرى ولكنها لم تطفأ ، غصنا فى الماء من خلال سرداب كبير يلف المكان حتى بلغنا عمقه ، خفُتت الإضاءة حتى تلاشت تماما ، وسرنا فى ظلام حالك بلا توقف أحسست بأننى ارتعد من داخلى فأزدت رعبا على رعب ، حتى لمحت شعاع ضوء آت من بُعد يضع نهاية هذا السرداب الضخم ، جعلنى فى وضع أفضل فى رؤية ماحولى ، إلا أننى فوجئت بأننى أسير وسط الموكب وحدى دون الملكة ، لقد اختفت ، أحسست بالإضطراب بعد أن فقدت لحظات الاطمئنان التى كانت تُمنح لى فى وجودها ، فهى من اللاتى تجعلن المرء يضحى بكل شيئ حتى حياته من أجل الحصول على نظرة واحدة من عينيها الفريدتين ، عبرتُ السرداب وعم الضياء فى كل مكان فوجدت نفسى داخل بهو ملكى كبير ، شديد الفخامة ، رائع الجمال ، جدرانه كلها مزدانة بالرسوم الفرعونية بألوانها السخية الصريحة وكانت زهرة اللوتس عنوانا لكل الرسومات التى كادت من دقتها وروعتها أن تنطق ، حوائط الصرح من الجرانيت الوردى تكاد ترى نفسك فيها من شدة نقائها ، أما الأرضيات كانت من الزجاج الأبيض كأنه الماء فى صفاء لونه ، ومن تحته لجة من ماء النهر وعلى جانبى البهو وجدت رجالا كثيرين وسيدات بلاط القصر مصطفين يوجهون لى التحية ، وفى نهاية البهو وجدت الملكة تجلس على عرشها مبتسمة بدت فى أجمل زينة ، ترتدى حلة مصنوعة من الرقائق الذهبية وعلى رأسها تاج مرصع بجوهرة من الزَبرجد الأحمر على هيئة أفعى وبقية التاج مطوق من الياقوت الأخضر على هيئة زهرات من اللوتس ، وانساقت قدماى صوب مكانها بعد أن وجدت نظرات من حولى تدفعنى لذلك ، كنت اشتم رائحة البخور الملكية الساحرة تزداد كلما دنوت منها أكثر فأكثر ، أخذنى الجو الساحر وبدأت أشعر بالغبطة والأمتنان ، حتى وصلت أخيرا إلى حيث تجلس الملكة مدت لى يدها الملساء الناعمة فقبلتها ثم دعتنى للجلوس بجوارها ، فجلست عن يمينها وكانت حريصة أن تمدنى من جانبها بين الحين والأخر بابتسامة رقيقة ، ثم سادت لحظات من الصمت ، أعقبها حركة من يدها للحاجب الواقف على يسارها تعطيه أمرا ببدء مراسم الاحتفال ، ثم بدأت الراقصات فى التدافع من جنابات البهو يمينا وشمالا يتراقصن ، والقينوات الصادحات يطربن على نغمات الموسيقى المعبدية فى جو اسطورى ساحر يملأه رائحة البخور العتيقة ، شعرت بالفخر والعزة وكان ذلك كافيا بأن يدخل السرور والفرح إلى قلبى .



انتهى العرض الراقص بعد أن بلغنا الهزيع من الليل ، التفتت الملكة لى وعلى شفتيها ابتسامة عريضة وأشارت لى بيدها لتدعونى إلى عشاء فاخر ، حافل بكل مالذ وطاب من مائدة لم أر مثلها فى حياتى ، لم أشأ سماع صوتها حتى الأن ، إلا من إيماءات وإشارات وابتسامات ، لم تنبس بكلمة منذ أن رأيتها ، ربما الملوك لايتكلمون ، بل يأمرون فقط ، ولكن ليس لى أن أشغل بالى بهذا ، يكفينى أننى عشت فى ضيافة ملكة فرعونية اسطورية ليلة تساوى عمرا ، كانت تقدم لى الطعام بيدها ، وشاركتنى نخبا من الفاكهة لم أذق بمثل طعمه ولا حلاوته ، ثم سمعت صوتها لأول مرة تعطى أوامرها بتجهيز غرفة الضيافة لتكون مقر إقامتى ، وبعد تجهيز الغرفة ، استأذنت الملكة فى الانصراف على وعد باللقاء فى الصباح ، ولم تمهل الصباح أن يأتى بل أتت هى بعد أن أمرت بإطفاء المشاعل واستقر الظلام بالغرفة الذى أخذنى فى دوامة من الخوف ، ارتعدت له مفاصلى وأنا لاأرى شيئا ، بل أحسست بثمة أشياء تتحرك من بعيد كالأشباح ، وسمعت أصواتا وارتطامات ، ووقع أقدام تقترب وتشق عباب الظلام بحفيف خافت وأنا ارتجف وقلبى تزداد خفقاته وفجأة رأيتها بعد أن أبرقت شمعة قنديلية من قنينة ذهبية ووقعت عينى عليها وكأننى أراها لأول مرة ، بل شعرت بأننى لم أر إمرأة بهذا الجمال قط من قبل ، أقبلت فى زينة تخلب الألباب ، بدا وجهها عجيبا .. بخصلة الشعر المتهدلة على جبينها وأهدابها السوداء الطويلة ، وأنفها الأشم المستقيم وشفتيها الرقيقتين ، تسدل عليها ثوبا من الشفاف الفضفاض أحمر اللون يكشف عن جسد حورية ممشوقة القوام .. متألق فى تفاصيل كل شيئ ، تفيح منه روائح عطرية نفاذة ، تقدمت منى قليلا ثم وقفت وأرسلت نفسا رقيقا يتضوع كعبير الزهر ، أحسسته بشدة عندما تقدمت خطوة أخرى قربتى منها أكثر حتى أصبحت رأسى فى موضع صدرها وسمعت ضربات قلبها تنتفض ، ثم رقدت كالعصفور بجانبى على حافة السرير والتصقت بى ، ومدت أنامل يديها فى حنان ورفق وطوقت بها وجهى ثم دستها فى شعرى ، وأحسست بشيئ كأنه النسيم يهب بطفراته ويمس وجهى فى رفق ويداعب شعرى فى حنان .. أغمضت عينى من فرط إحساسى المتدفق من النشوى ثم فتحتهما فى هدوء حتى انتبهتُ ، وجدتها تنظر إلىَّ فى تأمل ، كأنما تحاول أن تكتشف مافى أعماقى ، أعتدلت فى جلستى وأثرت الصمت المتعمد حتى أكبح دفعات النشوى المتوالية الممزوجة بالخوف ، فكان لابد من رفع التكلفة بعد أن أصبحنا بمفردينا ، ولكن لم أجد فى نفسى الجرأة الكافية ، حتى أقنعت نفسى بأن الأمر لايحتاج لجرأة أو شجاعة ، فهذا الحياء سيذوب فى ثانية لو بلغ مابداخلى حنجرتى وخرجت الكلمات إلى لسانى المعقود وتكلمت ، استجمعت كل قوايا وقلت لها هامسا والعرق يتصبب منى : سيدتى هل لى أن أتكلم دون تحفظات فلدى الكثير ماأريد أن أقوله وأعبر عنه ، استدارت الملكة وابتسمت وقالت : لاتشغل بالك وتعالى معى ، قلت إلى أين ؟ قالت : هنا لاتسأل عن شيئ . قادتنى على ضوء الشمعة إلى حجرة صغيرة تتوسطها بركة مملوءة بمياه حارة وحولها مايشبه المصطبة ولكنها ساخنة وبخار كثيف كالضباب يملأ كل المكان بعبق روائح عطرية مثيرة . ودون أن تقول شيئا نزعت ملابسها ، ثم نزعت عنى ملابسى إلا مايسترنى ، بعد أن ظهرت علامات الضيق والضجر على أوداجى بحمرة .. حياء وخجلا . أومأت برأسها متعجبة من تصرفى التى رأت ألامبرر له ، ثم طلبت منى الاستلقاء على فوطة كبيرة نقلت حرارة المصطبة إلى جسدى ، وطلبت منى أن أغمض عينى ففعلت ، وبدأت تدلك ظهرى بأصابعها ، شعرت أن كل الهموم التى عرفتها فى حياتى بدأت تتلاشى من كل خلايا جسدى وتختفى فى البخار المنقشع السارب إلى الخارج ، بدأت أشعر بنعاس يطبق على جفونى ويطرق عليها بشدة حتى تغفو ، ولم أدر بنفسى ودون أن أشعر وجدت نفسى قد انتقلت إلى غرفة أخرى واسعة ، أساسها وثير، لم أبذل مجهودا لكى أعرف أننى فى مخدع الملكة ، الروائح العطرية الملكية تفوح من جنباته لتملأ المكان كله ، وعلى سريرها الكبير دعتنى أن القى عليه جسدى . تلاقت أعيننا وابتسم كلانا وكأن كل منا سمع ماكان يدور بخلد الأخر ، ولم أكن أشعر بدوار كما كنت أحس أو رغبة ملحة فى النوم كما كنت أشعرعندما بدأت تقبلنى بحرارة ، انتابتنى حالة من اللذة لم أكن أتصورأن الدنيا تختزن مثلها أو إحساس لم أكن أتخيله إلا فى الجنة فقط ، كل قبلة من شفتيها .. كل ضمة لصدرها .. كل مرة غاب وجهى فى شعرها ، أحس بعمق تدفق المشاعر التى تتحول لطوفان يهدهدنى ، وكان بيننا حديث ذو شجون ومناجاة عذبة لاتقاوم من بريق عينيها وسحر شفتيها ودفء جسدها، لم أذق مثله قط فى حياتى ، ورحنا فى دنيا غير الدنيا .





وفجأة دق جرس المنبة ، مددت يدى لأسكته فقد كانت رناته كافية لأن أفيق مما كنت فيه ، واستيقن أننى كنت أحلم ، فاستيقظت وقفزت من فراشى وأنا شبه مجنون وبى من الشوق واللهفة لهاميس مالم أشعر به نحوها بهذا الشكل من قبل ، فقد رأيت فى منام هذه الليلة ملكة النهر.. رأيتها وأنا نائم بوضوح ، وبتفاصيل كأنها الحقيقة ، فكيف أحُرم من هاميس وأنا فى اليقظة وتتلاشى صورتها من عيونى . إننى أزداد شجونا على شجون . ومع مرور الأيام والليالى تحولت أحلامى السعيدة إلى نوم ساهد أصحو منه كل صباح بعناء بالغ من الهواجس التى انتابت أحلامى وجسمت عليها ، أتلفت حولى مسحا لكل أركان الشقة ، لعلها أجدها وأراها ، ولكن لم تأت . عشت كل يوم على أمل يتولد مع قدوم الفجر الجديد بأنها ستظهر فى أية لحظة ، أمل يطيب خاطرى بأن حضورها المفاجئ سيكون مثل اختفاءها المفاجئ يأتى بين لحظة وبرهة ، وأنى سأجدها حتما أمامى فجأة ، ظل هذا الأمل يراودنى ويثير فى نفسى الفضول ويجعلنى متعلقا بها منتظرا ، فلاشيئ فى هذه الدنيا يهمنى سوى رؤيتها مرة أخرى حتى ولو لمرة واحدة أخيرة ،  صورتها لاتفارق خيالى ليل نهار ، وكثير ماكان يضيق صدرى عندما تحدثنى نفسى بأنها لم تأت أبدا ، وأنها مجرد حلم كالأحلام مايلبث أن ينتهى عند الصحوة ، فأصاب بخيبة الأمل ، وأعود لأدراجى بإحساس متبلد يسرى فى كيانى تحفه الكآبات ، تنامى أكثر مع استمرار تغيبها غيرالمبرر كلما تذكرت وعودها التى قطعتها على نفسها وحنثت فيها ،  وكنت أحيانا أوجد لها مبررات كافية وأقول لنفسى ربما فارق الزمن بين حياتى وحياتها هو السبب ، قد تكون الدقيقة بساعة ، والساعة بيوم ، واليوم بأسبوع ، والأسبوع بشهر ، وعندما يتملكنى اليأس أقول لنفسى لعلها نستنى ، ياترى ماالذى منعها عن المجيئ ؟ لماذا لم تحضر ؟ ياترى هل هذا كان حلما وذهب كغيره من الأحلام أم ماذا ؟ إننى لم أعد أميز مابين الحقيقة والحلم .. الوجود والوهم ، ثم يعود الأمل ويشع فى نفسى من جديد كلما تذكرت بأنها كانت تمضى دون استئذان وتأتى بلامقدمات ، وأتذكر كم كانت تساوى اللحظات التى أمضيتها معها ؟! كانت تساوى عمرا آخر .. ودنيا غير الدنيا ، غريب أمر هذا الحب الذى يجذبك إلى شيئ لاتعرفه ولاتستطيع مجاراته أو مقاومته ، هل هو جمال وجهها أم روعة جسدها الممشوق على غصن بان أم أنوثتها الطاغية أم جمال عينيها الواسعتين ومايتسمان بهما من قوة وحنان ، أم عذوبة ابتسامتها ورقة ضحكاتها ، أم خفقان قلبى لدموعها وروعة ورقة حديثها الممتع أم حدوتتها العجيبة ؟ كنت أراها غير كل النساء اللاتى عرفتهن فى حياتى ، فهى أرقهن قولا ، وأحرصهن مشاعرا ، وأجملهن روحا ، وأشدهن فى الوصول إلى قلبى ، وأتعجب من حالى فقد عشت فترات طويلة لم أكن أعرف هذا الشعور الغريب ، فكل ماكنت أشعربه نحو من عرفتهن قبلها لايعدو المودة فقط وكل علاقاتى التى نشأت بينى وبينهن تنتهى بصداقة حقيقية ، ولكنى لم أعرف الحب بعد ، كنت دائما أسخر ممن يزعم أنه وقع فى هوى الحب وكنت اعتبره نوعا من أنواع الضعف وعدم القدرة على التماسك أمام حيلة المشاعر التى لابد أن يحكمها الإنسان ويسير دفتها كما يريد ، والأن أجد نفسى ضحية له فريسة لاتملك حولا ولاقوة ولاأعرف كيفية التصرف ، لقد علمتنى تجربة غيابها قيمة الحب ، حتى فى عذابه ، وعلمتنى أن جمال البعد غالبا مايتناسب تناسبا عكسيا مع جمال القرب ، وأن الله يوزع المزايا على الناس بقدر ، وهاقد حدث وجاء الحب وسكرنى وانتشيت به وسهدنى ، وهذا هو قدرى. أتذكر هذا فأعود وأنتظر من جديد .

  
إلى هذا الحد أخذنى التفكير فيها ، ولم أقطعه بعد، رغم تغيبها الذى طال مداه ، ولم أعد أحصاه ، أسبوع .. شهر .. شهرين ، ربما أكثر، فمع كل دقيقة تمر اشتد وجدا ولهفة وشوقا ، ولم أستطع نسيانها أو انتشالها من فكرى لحظة واحدة . فكرت فى مغادرة المنزل حتى أهدأ ، همت على وجهى ، سرت فى الطرقات بغير هدى . لازلت أمنى نفسى بأنها ستحضر فى أى لحظة وحين ، مر أسبوع وأنا على هذا الحال أتنقل من طريق لطريق ومن مكان لأخر ، أحس بوحدتى القاسية وسط الزحام البشرى الذى تموج به الطرقات والأرصفة والحوانيت .. تملأنى أحزان كثيرة ، ورحت أحدث نفسى طويلا وماأقسى أن تحدث نفسك التى لن ترضيك : " هاميس هل تصدقينى لو قلت لك إننى أعرفك قبل أن أراك .. وهل تعلمى عندما رأيتك وقبل أن نتكلم أحسست أن سهما انطلق من مكان مجهول .. وأصابنى فى القلب .. فى مقتل ، لمجرد أن وقع نظرى عليك ، وهل تصدقينى أن شفتانا عندما التقتتا أحسست بأننى كنت أعانى من الحرمان دون أن أدرى .. هاميس لم كل هذه القسوة ؟ إننى لم أعد أفكر فى شيئ إلا أنت .. أصبحت فكرى الملح الثابت الذى يطاردنى فى الليل والنهار ، فى المنزل والشارع والعمل .. لقد ضقت وضاقت بى الدنيا وأنا وحدى ومع زملائى وبين أصدقائى ، ماأقسى الشعور بالحرمان والوحدة بعد أن كنت على قيد خطوات من النعيم .. هاميس أهكذا يكون العبث بقلبى ؟ وهل استحق منك كل هذا الذى تفعلينه معى ؟ كيف أبحث عنك الأن ؟ وأين أعثر عليك وأنت بلا أرض ولامكان ولازمان ؟ ، هاميس ماأقساك ماأقساك .


لم استيقظ يوما دون أن تكون هى أول أفكارى ، ولم أنم ليلة دون أن تكون صورتها آخر صورة أطبق عليها جفونى ، ولكم تألمت وتعذبت ، وطويت صدرى على حبى اليائس فى صمت أيام وليالى كثيرة مرت وتعبت من عدها ، وأنا أجوب الطرقات أتطلع إلى آلاف النساء أملا فى أن تكون من بينهن ، وكم صور لى خيالى عند رؤية أكثر من إمرأة من بعيد فأظنها هى ، وأعدو خلفها ، ثم أدرك أننى كنت أعدو وراء سراب ، رباه أين ذهب كل هذا الحب ؟ وأين اختفى كل هذا الحنان الكبير الذى لمسته فى لمسة يديها وفى نظرة عينيها ؟ ماأقسى وأشق أن تبحث عن إمرأة أحببتها غابت عنك ولاتعرف لها مكانا . لم يبق أمامى سوى طريق العرافين وضاربى الودع وقارئى الفنجان حتى أصل إليها وأعرف أين تختبئ الإنسانة التى أحببتها ولاأعرف لها أرضا أو وطنا أو عنوانا ، لأول مرة أحس بكلمات نزار قبانى وشجون العندليب عندما عبر عن آلامى بمزيد من الغناء والصدح " ماأصعب أن تهوى إمرأة ياولدى ليس لها عنوان .. ليس لها عنوان .. ليس لها عنوان .
ورغم اختفائها من حياتى إلا أننى لازلت شغوفا بها .. أراها كل لحظة وكأنها أمامى .. لم يبرد بعد إعجابى بها ولاحبى لها ولالهفتى عليها ، لم تخب نار عاطفتى نحوها .. ظلت متأججة فى صدرى الذى ضاق بحمله الثقيل وراح عقلى يفكر فى إزاحته عنه ، فجاء بذهنى فكرة أن أحكى بعضا من حكايتى لأصدقائى فى الحدود التى تسمح بتصديقها . وفى ذات ليلة وأنا جالس مع بعض المقربين منهم قصصت عليهم قصة هاميس على أنى قابلت إنسانة جمعتنى بها الصدفة وبلا سابق إنذار اختارها قلبى وارتبطت بها وأحببتها وشغفت بها ، وكانت بيننا لقاءات دعمت هذا الحب واشعلته فى صدرى ، ثم حدثت تداعيات ومشكلات اختفت على أثرها ولم أعد أراها ، وأصبحت صورتها لاتفارق خيالى البته ، فكثفت بحثى الدائم عليها فى كل مكان وكل شارع من شوارع القاهرة كان لها مقصد فيه ، حتى كورنيش النيل المكان المفضل لها والمحتمل وجودها فيه أخته مسحا من أقصاه لأدناه ، بالله عليكم أجيبونى ، ماذا أفعل ؟!! ،  لكن لم أجد ماكنت أرجوه منهم بل وجدت من بعضهم عدم اكتراث ، والبعض الأخر قدم لى سيلا من النصائح غلب عليها طابع الشماتة و السخرية ، وتصوروا أننى قصدت الاستباق فى الإعتراف لهم ، حتى أتجنب شماتتهم وفرحتهم فىَّ لأنهم عانوا الأمرين من كثرة مزحى لهم عندما كانوا يحكون مشكلاتهم فى الحب ولم يستطعوا مواجهة استهانتى لمشاعرهم ، وكان البعض الأخر يرى أننى كنت مستهترا مستهينا بمشاعر الناس . فقد كنت أنا الوحيد من بينهم الرافض لمسألة الحب ، لم أحب أحدا ولم يمتلكنى أحد رغم علاقتى الكثيرة والمتعددة ، والأن جاءتهم فرصة الخلاص كى يأخذوا بثأرهم منى ويردون علىَّ ماكنت أفعله معهم ، فاتخذوا من قصتى ملهاة لهم ، ومسلاة يتندرون بها وجعلوا ماقصصته عليهم مجالا للمزح والترف ووسيلة للإضحاك ، وتساءلوا فى عجب واستغراب : ما الذى غير وجهتك بهذا الشكل ومن هذه الإنسانة التى لخبطت حياتك وفعلت بك مافعلت ثم هربت ؟ لابد أن هناك أمرا لانعرفه ، وهل بعد كل هذا لازلت مصرا على رأيك فى متعة التغيير والتبديل والانطلاق وقتما تحب وحيثما تشاء ، أم عرفت قيمة الحب ؟! وأنت الذى عشت حياتك لاتعرف أى قيمة له وكنت ترفض وجوده فى حياتك مطلقا . أبديت صمتا وكأن الحديث لايعنينى ، ثم قالت إحداهن : لماذا لاتجيب ؟! ليتك تحدثنا عن الحب ، نريد أن نسمع رأيك فيه الأن بعد أن تخليت عن مبدأك من أجل إمرأة تركتك ، ثم شهقت مقهقهة بضحكات عالية لها رنين أحسست معها بشئ من الشرود وخيبة الأمل ، حولت نظرى إليها وأنا فى قمة الغضب والحزن ، يملؤنى شيئ من الدهشة ثم وجهت كلامى للجميع وأجبت فى لهجة مقتضبة وبصوت مخنوق : ظننت أنى سأجد مايريحنى هنا ، ليتنى مافعلت !! وهممت بالإنصراف مفضلا مغادرة المكان ، وأنا فى قمة أسفى ولسان حالى يقول : ياعشرة هونى على اللى راحوا وفاتونى ولاودعونى ، وياريت تهونى على صُحاب لاسبونى ولاحتى ريحونى .
فى تلك الليلة عدت إلى منزلى يكتنفنى الحزن الشديد ، وأحكمت على نفسى غلق باب حجرتى ، وواجهتها بمنتهى القسوة ، ماذا جرى لى ؟ وماهذا السلوك الذى سلكته حتى تنتهى بى الأمور على هذا النحو الغريب الذى لايقبله عاقل ولاحتى مجنون ؟ وأى أوهام هذه التى تعلقت بها وجعلتنى أعدو بطفولية وراء إمرأة استهانت بى وبمشاعرى إلى هذه الدرجة من الاستهتار، وهناك الكثيرات اللآئى يتمنين ولو نظرة واحدة منى ، ولماذا كل هذا التعلق غير المبرر لها ولاأعرف عنها شيئا ولن أعرف ؟ إنه يتعين على أن استرد صوابى وأنقذ نفسى من الدوامة التى أدور بها وفيها ومعها فى حلقة مفرغة لاتصل بى إلى شيئ . ولم أدر كيف مرت على تلك الليلة الصعبة ، إنما أذكر جيدا أنى قضيتها فى سهدى وحيد حتى طلع الصباح متخذا لقرار لارجعة فيه هو لابد من نسيان تلك المرأة ، وطرد من ذهنى كل مايفكرنى بها ، وأن أنغمس فى عملى ، ولاأترك أصدقائى أبدا وأقضى كل وقتى معهم حتى لاأترك نفسى لحظة واحدة بمفردى فيقودنى التفكير إليها ثانية .

ولكن مع نفسى أصبحت أحيا مرهق الأعصاب، تؤرقنى كل كبيرة وصغيرة ، بإحساس متأجج ، كما لوأن الحياة تقتحم وجدانى عمدا ، وتمشى بلا استحياء على قلبى ، زاحفة إلى خلجات النفس والمشاعر الملتهبة داخلى وتطرحها فى الكون الفسيح أمامى ، حتى الحلم غادر أجفانى ولم تستفق حواسى من توهج تلك العاطفة الجائشة ، ولكن كانت محاولاتى كلها فى استجلاء حيوية صورتها من عيونى كوسيلة للإفاقة عبارة عن مضيعة للوقت ، ولم أجد أمامى سوى اللجوء إلى محاكاتها حين تهيج بى شجون الذكريات وتزدحم صور لقاءاتنا بشدّة الحنين وعذوبة اللحظات الساحرة من الحب ، فما يزيد ذلك إلا إصرارا على منطلقات أشجانى الحائرة سهدا وأرقا وكأنها متنفس لأحلامى الضائعة التى فقدتها وأثرت كثيراً فى استقرارى النفسي وجعلتنى في غربة روحية ، وكنت أحيانا أخرى أثور على نفسى فى إعادة ترتيب هذه التفاصيل الحميمة داخلى ثم أحاول أن أتناسى وجهها فى محاولة جادة كى أجد بدائل أخرى للمساء الذى تطول لياليه وأظل أفتش ربما أجد غيرها تصادفنى وأحل بها مكانها فى قلبى فأنسى . عبثا فقد كنت مثل من يعتقد أنه سيقطف ورد الربيع ، فإذا به يجد نفسه ضحية الأشواك .



ولكن مع تواتر الأيام والرغبة فى النسيان والإصرارعلى البعاد ، شعرت بالفعل هدوءا نسبيا ، وبدأت صورتها تبهت فى عيونى ، وتندمل من قلبى وكدت أطوى صفحتها فى عالم النسيان ، لولا حدوث المفاجأة .

                       وإلى لقاء أخر مع الجزء الخامس



مع تحيات : عصــــــــــــــــام

                               القـــــاهرة فى إبريل 2014