music

السبت، 11 أبريل 2020

مرثية صديق غالى


جاءنى خبرٌ

هز فى القلب دقاته

وطار العقل من شتاته

قالوا صديقك مات

وحان وقت صلاته

وصرت حائرا لاأصدق

خبر وصدمة وفاته

آثرتنى وكبلتنى وقفاته

ومجالسنا وحوارته

وخفة ظله وابتساماته

وصدى رنة ضحكاته

واتزان عقله

التى كانت من سماته

ولم يسعفنى الوقت

لملاحقة نعشه ووداعه

والوقوف على قبره

والدعاء له فى مكان رفاته

فدعيت بظاهر الغيب

صدق أفعاله

عسى الرحمن يغفر له

صنيع زلاته

وصلى عليه رهط

رغم تحذيرات أوانه

فالمنع كان للخوف

من فيروس انتشر وباؤه

ولم يهب الإخلاء الموقف

إلا عند رفع النّعش وثباته

فانهارت العبارات

حتى سالت رخاته

وتعالت التكبيرات 

عند رهوانه

فصدق القول 

أنه من فعل حياته

والفردوس برحمة الله 

هى جزاته

وعند القبر سادت الرهبة غلاته

فالحبيب الغالى

أصبح تحت التراب مباته

غريب أمر الدنيا

كيف حولت 

مرحه لسكاته

ارتاح هو وترك لنا 

هدير دمعاته .

لازلت تقلب المواجع ، ولازلت أقاطع حضورى للمجلس لأن المكان استوحش بدونك ، المكان الذى قضينا فيه أجمل عمرنا ذهدت فيه بسبب غيابك الذى بلا عودة ، ياكريم الجاه وصاحب صولجان الحب ، يامن تركت فينا أجمل أطياب الحياة سعة الصدر وحب الناس وعدم الوقوف عند الصغائر حتى وإن كبرت ، علمتنا وأنت الأصغر سنا دروسا فى الحياة من فضل ماتربيت عليه ، ياخالد أنت لم تغادرنا لأن صورتك تتصدر أصداءنا التى لازالت تحمل صرخة ألم مكتومة ، لكنه قدر الله ولارادا لقضائه ، وقضاء ربك أن يكون هذا هو منتهاك ، وإن كان عزاؤنا أنك ذهبت عنده .. عند من يملك الرحمة ومن غيره يملكها ، ذهبت عند من يغفر ويسامح ومن غيره يستطيع ، ذهبت عند من يملك مفاتيح الفردوس الأعلى ومن غيره يقدر ويمنح ، ذهبت عند من يملك الحب ومن غيره أحبك وأحبب فيك من يشاء من خلقه . إننا نتوجه له وحده ولاأحد سواه ونرجوه بكل الحب والإبتهال .. رجاء الطامعين فى عفوه ورضاه أن يتقبل دعاءنا وحبنا لك .. كل دعوات الأحبة من أولادك وأسرتك ومحبيك ويجعلها طاقة من نور متصلة لاتخبو ولاتنتهى .. وأن تصلك على طبق من ذهب تحمله لك ملائكة الرحمة تنير قبرك وتجرى بك على الصراط بإذن مولانا التى تجلت قدرته فى الكون والملكوت ، فكن قرير العين فرحانا حيث أنت ، وحيث يعلم سبحانه وتعالى مستقرك ومستودعك .
القاهرة فى 11 من إبريل 2020

الجمعة، 10 أبريل 2020

مع السلامة ياصاحبى

لأول مرة أكتب شيئا لم ولن تقرأه ومهما انتظرت فلن يأتينى رأيك فيه ، فلكم كنت على الدوام أكتب وانتظر متشوقا معرفة رأيك فى حرفى الذى كنت تشجعنى وتدفعنى دفعا إن أجيده . جمعنا الصدق والمحبة والصراحة والوضوح والمبادئ والمثالية وحب الأشياء وسماع حليم وكنوز الفن الراقى وحتى فى اختلافنا فى تشجيع الكرة كنت تخلق جوا من السعادة يخلو من آفة التعصب البغيض . ولكن لاشيئ فى الحياة يدوم ، فاليوم غير البارحة ، لقد تبدلت الأحوال وانطوت بعد أن تركتنا حائرين مبهوتين من مفاجأة فراقك المفاجئ الذى أدميت به قلوبنا بعد أن انهارت عقولنا من هول الصدمة التى نزلت علينا كصاعقة السماء واجترت عبرات عيوننا  شلالات منهمرة حتى تحجرت جفوننا وجفت منابعها . لقد تلقيت خبر وفاتك ياخالد وأنا فى ذهول وفى عقلى استنفار حاد .. أنفاسى كانت تتصاعد بقوة لاهثة متقطعة كأنها تنتزع خفقات قلبى الموجع من بين جوانح صدرى وكأننى احتضر ولاأدرى منتهاه ، ولكن هذا هو حال الدنيا .. كم هو مفجع ومؤلم أن تتسلل الروح من جسد من نحب وتبهت صورته أمام أعيننا وتختفى إلى الأبد وهى التى كانت تملأ الدنيا من حولنا بهجة وتبعث فى نفوسنا الطمأنينة والأمل . لقد عرفت فيك نقاء القلوب ، وحب الناس وأنا كنت واحدا منهم ، كنت لاتألوا جهدا فى سبيل إسعادنا ، كنت تواصل الليل بالنهار لوضع منظومة عمل تخدمنا وتعلى من شأننا وتلبى مصالحنا ومطالبنا التى كانت لاتنتهى برحابة صدر ونقاء سريرة ، كنت تقدس الشأن العام وصالح الجماعة .. كنت تستقبل زملاءك فى مكتبك ببشاشة وجه ، رغم علمك أن فيهم من كان يريد هدمك .. ومن كان يريد أن ينال منك ، فأصحاب النفوس الضعيفة كانوا يخشون سطوتك المستحقة فى نفوس محبينك ، عشت على الفطرة ، كنت تتعامل على سجيتك ونقاءك الذى تربيت عليه مهما كانت أبعاد الشخوص الذين كانوا يتعاملون معك ، ولذلك كنت لاتستجيب لنداءاتى المتكررة بأن تغلق عليك باب مكتبك وأن تعامل الناس بقدرهم ، رغم أنك تعرضت من إيذائهم الكثير ، ولأنك كنت تعاملهم بفطرتك قلت لى : " إننى لايعنينى أمرهم ولا هم من ؟! ، فهذا متروك لله هو حسبى وهو من سيرد لى حقى " ، لذلك جاء تعاملك مع الجميع بتفهم أكبر وصبر أكثر ، ولكنى كنت أراك تتحمل مالايطاق وتعانى وتقاسى بين التزامك بقيمك النبيلة وماتواجهه من أحقاد ونفور . قدمت حياتك فداء لأفكارك التى كانت تتسم بالبراعة وحب الابتكار وكأنك تعيش فقط للناس ، تفرح لهم وتواسيهم فى أحزانهم وتعين الكثيرين منهم ، وكان ذلك يأتى على حساب بيتك وأولادك وأقاربك وأقرب الناس إليك ، قلبك ريشة طائر أبيض تطوف فى الهواء بلا هوادة .. مغردة بعيدة عن أسراب الحقد والطمع والأنانية . إننى مازلت لاأصدق ، ذهنى يكاد أن ينفجر من زحمة الأفكار التى أرادت أن تخرج عن مضامينها لكى تسقط على الأرض مستنفرة بسؤال بئيس كيف يخمد فجأة عطاء من نحب  ، كيف يضعف القلب المفعم بالبياض إلى هذا الحد  ، وكيف ينطفئ بريقه  بهذه السرعة ، إننى لازلت لاأصدق ، فكلمة الموت بالنسبة لك لها وقع غريب فى أذنى وعقلى وكيانى ، أحقا أنت ذهبت بعيدا ! ، إننى لم أستوعب بعد فكرة غيابك وحتى كتابة هذه السطور مازلت لاأصدق ، رغم إيمانى الشديد بقضاء الله وقدره ، وأنها أعمار تستوفى حقها فى الدنيا وفق إرادة الله ، ولكن هى لعنة الفراق وطول البعاد ، والحنين لكل لحظة جميلة عشتها معك . إن فكرى الشارد يحمل لك  شريطا حافلا من الذكريات الجميلة والكثيرة التى جمعتنا فى كثير من المواقف التى كنا نقف عندها ونحللها ونرتبها معا فى عقولنا وضمائرنا .. كنت أهرع إليك فى أدق التفاصيل لنتشاور بتؤدة ونضع كل الحلول الممكنة وغير الممكنة ودائما كنت أجد عندك الحل الأمثل للتصرف القويم . رغم أن الظروف الحائرة منذ ثورات التغيير تأرجحت كثيرا بمؤسستنا العملاقة مابين المثالية والواقع وكانت تدفعنا إلى الوراء دائما ، وتؤكد لنا أن مافات لم يعد ، والحاضر لايعدو إلا محاكاة للماضى ، وبشائر المستقبل لاتأتى لنا بجديد ، لقد كنا نعلق حياتنا على نهار طويل انتظرناه معا على أن يأتى ولكنه لم يأت ،  حتى جاءت الظلمة التى طالت لياليه كثيرا وأه من ليل العذاب والغربة . لقد أعطينا المجلس كل مانملك ولكن عطاءاتك أنت هى الأكثر .. لقد منحته عمرك كله ، أفنيت فيه صحتك وفكرك حتى يكون المجلس أفضل مؤسسة على وجه الأرض . كنت أذهب إليه فى وجودك ، أتصل بك أولا لأتأكد أنك فى مكتبك حتى لاأستشعر بغربة المكان ، لأننى كنت لاأرتاح إلا فى وجودك ، كنت كلما أدخل عليك مكتبك الوثير رغم صغره أجد رائحة المسك تفيح من كل جنباته ، وبمجرد أن ترانى تهب واقفا مبتسما ، وتستقبلنى بحفاوة وحرارة .. كنت أجد عندك الراحة والمكانة ، فلا يوجد من بعدك صديق ولا زميل ، بل لم يعد لى من الأن مكان فى المجلس حتى أذهب إليه ، لأنك كنت أنت دائما المقصد والمآل ، والأن أنت ذهبت ، فأصبح المجلس بالنسبة لى أرضا غريبة ، لا مكان لى فيه ولا أعرف فيه أحدا ، وهذا هو حصاد الأيام الذى توقف من بعدك مكتفيا بهذا الحد فى الذهاب إليه .

من لم يعرفك لايعرف أحدا ، ومن لم يمر على زمانك خسر الكثير من كنوز الإنسانية التى عرفتها من ابتسامات وجهك التى كانت دوما تشع نورا وأملا ، ولم لا وقد كنت رمزا للشهامة ، ورمزا للرجولة ، تفانيك مع نفسك لم يكن يوما لك ، واجتهاداتك لم تكن نابعة إلا من ضميرك الحى .. الذى لايعرفه إلا الصالحون ، من أجل ذلك كنت دائما تغرد خارج السرب وتنشد اللامعقول فى زمن التردى ولوى الحقيقة ، وتجابه المستحيل ، وتضمر فى نفسك ماكنت تجاهد أن تخفيه عن أعين الناس التى لاتعرفك ، وقد عرفنا معا الكثير، ولكن اختلفنا فى المساحة التى كنت تفردها لكافة البشر الذين صادفوك فى حياتك بحلوهم ومرهم ، لذلك تفوقت على قدراتى فى كسب الناس واحتوائهم ، فصارت محبتك فى قلوبهم بلا إرادة منهم ، فأنت كنت ولازلت مثالا رائعا على قوة عطاء الله فى البشر، لأنك كنت توهبه كله لله ، وبذله كان من أجل الأخرين . كم من أيام مضت يارجل منذ غيابك الذى سيطول ، ونحن لازلنا نلملم أحزاننا التى تملكت من نبضاتنا والعروق .




أخى وحبيبى وصديقى وزميلى الغالى .. إنما هى ألوان الحياة تهرب مننا والوجوه ، أصبحت أتألم بلا ألم ، وأبكيك كل لحظة بلا صوت ، حتى صارت نار البعاد تحاصر صدري بلا لهب .. نار وقودها الذكرى ، سأقف عند حد التمنى واشتاق لك ياأخى فقط لمجرد سماع صوتك .. سماع كلماتك التى كنت تواسيني بها أو التي كنت تشجعني عليها . كان بودى أن أكتب فيك مجلدا لأن مايحتوينى تجاهك أكبر وأعمق من أية كلمات تكتب أو تقال ، حقيقى لم أجد من الكلمات ماأوفيه به حقك ، لأنك أكبر بكثير من أية كلمات . سيظل الزمن يحاكيك وستظل أجيال كثيرة فى المجلس تذكرك لأنك وضعت حجر الأساس لمن أفنى عمره فى المكان من أجل الأخرين . إننى أتوجه لمن يرد البصر ويعيد النور ويملك الرحمة فى الأرض والسماء .. أتوجه إلى من بيده الملك والملكوت .. إلى الله العلى القدير وليس لغيره نلجأ ونرجوه ، ولا أحد سواه نرفع إليه أكف الضراعة بأن يكتبك مع الشاهدين وينعم عليك بالسلامة والغنيمة والرضا ، وأن يمنحك من رحمته مايتجاوز به عن سيئاتك ، ويسكنك فسيح جناته . فسلام الله عليك حيث ترقد الأن مطمئنا مستريحا وأنت فى رحابه .. سلام الله عليك من الأرض الطيبة التى أنجبتك وأحببتها وأحبتك وتضم الأن ثراك .. سلام الله عليك فى رحاب الخلود ، المشتق من اسمك ذلك مااكتسبته من رحلة الحياة والممات .. سلام الله على روحك الطاهرة ياخالد التى تحفها الرحمات ويملؤها نور الإيمان فهى ذهبت عند من يملك المن والرحمة بلا حساب وكل دعائنا لك أيها الحبيب الغالى أن يجعل مثواك الجنة ونعيمها .. اللهم اجعل مثواه الجنة ونعيمها . 
القاهرة فى 10 /4 / 2020