music

الخميس، 10 مايو 2018

شخابيط على جدران الجموح (2)




كتبت لى إحداهن يوما رأيها فى تصورها لشخصيتى ، وأرسلته لى ، وقتها لم ألق له بالا ، ولكن وقفت عنده طويلا بعد أن مضت وغادرتنى ، ربما الإنسان لايعرف قيمة الأشياء إلا بعد أن تنفلت من بين أنامل يديه وتتسرب وتضيع ، ولكن كنت أسأل نفسى وأتعجب كيف لإنسانة أن تقرأ شخصا بهذه الشفافية ، برؤية ثاقبة مزيجة من رؤى العين وشفافية القلب ورجاحة العقل ، لدرجة أن الصورة ــ صورتها عنى ــ انجلت عنها غموض النفس لتصبح بهذه الدرجة من الوضوح والنقاء ، والشفافة العالية ، وأنا الذى لم أبد لها في حينها أى تعليق سواء كان بالإتفاق أو الإختلاف أو التصويب ، وهاهو رأيها فى شخصى أكتبه بأمانة الكلمة :
" : عارف صورتك دى جميلة
   : شخصيتك واضحة فيها هدوء وغموض وبُعد رؤيا .
   : فيها امتداد الماضى بالحاضر ونظرة بعيدة للمستقبل .
   : عارف عصام شخصيتك بتثير فضولى .
   : إنسان عصامى يمتلك من القيم والمثل أفضلها .
  : وبقدر جديتك ونظرتك البعيدة للأمور ، بقدر رومانسيتك الطاغية ومشاعرك الحساسة والمرهفة .
  : رغم إنك عاطفى جدا ، لكن تمتلك قدرة كبيرة على السيطرة على مشاعرك وكبتها .
   : رومانسيتك ما لهاش حدود تتخطى حدود الزمان والمكان.
   : وواقعيتك أبعد بكتير مما أتخيل ".
تفسير قد يشعرنى بنرجسيتى أو بقيمة نفسى فى عيونهن ، وخاصة أنها جاءت من إنسانة جميلة الخلقة والنفس والروح ، حقيقة أن هذه المرأة كانت تعجبنى كثيرا فى أسلوب إدارتها لحياتها وهدوء مشاعرها وطيبة قلبها ، والأهم من كل هذا هى حالة اللاشيئ التى تربطنى بها ، ولست أعرف تحديدا قيمة مشاعرى نحوها أو أننى لاأريد أن أعرف ، حتى لاأفتح على نفسى بابا لن يوصد أبدا للمواجع وكسرة القلب ، فكل ماأعرفه عنها إنها إمرأة استثنائية ، رأيتها جميلة منذ أن وقعت عينى عليها أول مرة ، جمالها من النوع الفطرى ، الهادئ ، والمريح أيضا ، جمالها يريح القلب والعقل معا ، لها القدرة على أن تجتذب القلوب من أول وهلة أو من أول نظرة خاطفة ، ولها القدرة أيضا على أن تتسامى حتى مع نفسها .. وكأنها إنسانة من الزمن الأخر الذى يتمتع بالمثالية ، نسمع عنه ولانعرف سبيلا للعيش فيه ، إنها تركيبة فريدة من مزج لذيذ . كانت تبدو وكأن إرادتها فى يديها ، وكم تمنيت أن أسرق منها هذه الإرادة .. حاولت كثيرا التسلل إليها وأدخل عليها من أى باب من الأبواب التى كنت أعرف كل مداخلها ومخارجها جيدا ، ولكن مستحيل ، وعندما وجدت أن خطواتى قد تكون محسوبة عليها ، قررت ألا أتجاوز أكثر مما حققته معها ، فكان من الطبيعى أن أقف عند حدودى فقط ، على الباب دون أن أطرقه ، ولكن كان يأتى علىّ وقت أحس فيه بمغبة الانتظار ، فأفكر فى البعاد لدرجة أننى حاولت أن أوجد لنفسى بابا أخر كى أغادرها منه على أن تأتى علينا الأيام وأنساها وأرتاح ، ولكن عبثا جاءت كل محاولاتى ، فكلما فكرت فى البعاد أجدنى أتقرب منها أكثر ، حتى صرت تواقا للتواصل المستمر معها ، لدرجة أننى كنت أختلق أتفه الأسباب كى أكلمها فأجد عندها راحة النفس وأجد عندها السكينة من النوع الذى ترتاح له القلوب وتستأنس به ، فقد كنت أحس عندما أحدثها أو أهاتفها أننى أرى نفسى فى مرآة نفسى .. أراها بوضوح ، وأعثر عليها بعد دوائر بحث عميقة كانت تتوه فيها منى ، فأجدها هناك قد سكنت في هدوء عندها ، وعرفت وأيقنت كم كانت تذهب إليها دون استئذان ، حتى صار حديثها معى هو حديث النفس تماما ، إذا نطقت فإنها تقول ماأريد أن أقوله وبالضبط ، وكأنها تقرأ الكلمات المرتسمة داخل عقلى وقلبى ، كأنها فتحتهما وقرأت مافيهما ، كأن عينيها ترى مابداخلى . ومع كل هذا كنت إذا ماشعرت بأننى وصلت لإحساس معين لاأعرف قيمته عندها ، أقبض عليه بيدى وبمنتهى الإستبسال أحكمه إحكاما ، ثم أدوره فى عقلى .. كنت لاأتصور أننى أقبض على مصدر سعادتى بيدى ، وأنا الذى عشت حياتى كلها باحثا عنه ، ولكن تقديرى لها كان أعمق بكثير من حبى وهيامى بها ، فخفت عليها احتراما للمعنى الجميل الذى احتوانى تجاهها ، وحتى لاتخوننى عواطفى كنت أحكمها فى النهاية وبشدة ، رغم أنها كثيرا ماكانت تتقلب وترفض هذا الحصار الفكرى وتريد فى إلحاح بالغ العمل على فك قيوده الموثوقة كى تنطلق إحساساتى المفعمة بالمشاعر الفياضة على قلبى وروحى ، ولكن الله وهبنى فن القدرة على هذا الإحكام ، وسبيلى إلى هذا هو الاحتفاظ بالقدر الذى ارتضيته لنفسى حتى ارتاح وتظل علاقتى بها قائمة ، المهم أن علاقتى بها تظل قائمة ، وأن أعى فقط أن هناك شيئا ما يربطنا ويبقينا عند حدود معينة وضعناها لأنفسنا دون ترتيب ولايجوز تجاوزها ، وعلى الرغم من مرور كل هذه المدة ، إلا أننا حافظنا على هذه الحدود كقيمة ، ولم نقو يوما على التمرد ، أو الانقلاب عليها .
القاهرة في مايو 2018