music

الأحد، 15 فبراير 2015

وفاء إيزيس وعودة هاميس ( الجزء السابع )


ظلت حياتنا الجميلة تتراقص على أنغام العشق الوردى اللامحدود ، حتى جاء يوم كنت أعد له العدة وأردت أن افاجئها بما اتفقنا عليه ، كانت الفرحة تسبق خطواتى اللاهثة وراء سعادتى الممتدة عبر نشيج الأمل المرتقب والرجاء المنتظر ، فاليوم سأقدم حياتى هدية لها ، سأربطها بالرباط المقدس ، دنوت منها : هاميس أتقبليننى زوجا أهبك نفسى وعمرى ، ردت والفرحة ترتسم على وجهها حمرة خجل انخفض معها صوتها : كيف تسأل فيما تعرفه ، وماذا أقول والمسئول ليس بأعلم من السائل ، انفرجت أسارير وجهى وصحت فى وجهها : أيعنى هذا أنك موافقة ، هزت رأسها لأسفل ، لمعت معها عيناى ، وقفزت فرحا كعصفور يرقص فى الهواء ، ويقفز بين الأشجار والأبنية العالية وأعمدة الكهرباء ، إننى أرى ظلى يمتد ويمتد حتى لامس السماء لاهيا .. مغردا .. متخلل السحاب .. متأرجحا على حبال الريح .. راقصا ، أنشد الأمل الذى أصبح اليوم حقيقة ، إن ارتباطى بهاميس لم يكن بحاجة لموافقة ، فلطالما تعاهدنا آلاف المرات ، ولكنه الحب المتعطش دائما للكلمات التى تؤكده وتحميه وتنثره على ضفاف العشق وشغاف القلب . عدت لتوى فتنبهت وتذكرت ماأعدته لها من مفاجأة ، هرولت قدماى لما كنت أحمله معى وحاولت أن أخفيه بعضا من الوقت حتى أستمتع بوقع المفاجأة عليها ، علبة الشيكولاتة والعقد والدبلتين ، كنت شديد الامتنان وأنا أضع علبة الحلوى بين يديها : هذه علبة شيكولاتة أحضرتها لك ، قالت : لى أنا ، قلت : نعم لك وحدك ، ضحكت وقالت : مادامت لى إذن سأفتحها ، قلت : ليس قبل أن نتناول طعام الغداء ، فأنا متشوق لما تصنعه يداك من طعام لم أذق مثله فى حياتى ، وبعدها ستكون هناك المفاجأة ، قالت : أليست هذه هى المفاجأة ، قلت لها : نعم المفاجأة شيئ أخر كان حلما وأصبح واقعا ، ثم انحنيت وقبلت يديها ، سألت : منذ متى وأنا التى بادرت أولا بالإفصاح عن مكنون حبى لك ؟ قلت : منذ زمن الانتظار الطويل ، تعبت منه وعانيت من سهد أيامه ولياليه ، إننى انتظرتك كثيرا ، وكاد اليأس يملأ قلبى ، حتى ظهرت فى حياتى فجأة فأنهضتينه من ثباته العميق داخلى وعشته معك لحظة بلحظة فتحقق وبدأت معه حياتى الحقيقية . ثم همت قائلة : إذن اتركنى الأن كى أعد لك طعام الغذاء الذى أعددته لك . وبعد أن تجاوزت بعض خطواتنا المسير ودون أن أدرى حانت منى التفاتة عفوية نحوها فوجدتها هى الأخرى ملتفتة فى نفس اللحظة كأن قلبينا هما بالنداء الخفى ، كانت ترجمته أن ارتدت خطواتنا بعنف وبحركة لاشعورية وكأننا أمسكنا طرفى حبل من المطاط فشددناه معا ، أنا وهى ، وكلما تباعدنا ، التحمنا من جديد ، تهاوت برأسها رخوا على كتفى ، ورحنا فى عناق كأننا غائبين عن هذا العالم فى بؤرة متوهجة مقفلة على أحلام تسكب من أحلام انفلتت خيوطها ، كان عالما جميلا ، أغمض عينى فيه فأجد ماأريده ، واللحظة تمتد .. تكبر .. وأنا أتوق أن أبقى ، فلاعودة إلا إليها ، إنها نبعة متفجرة يانعة .. فجر مولود من ليالى هادئة ، إبتسامة تندس بين شفاه محمولة على غصن مائل . أفاقت هاميس من غفوتها الساحرة حين استدارت بوجهها إلى الناحية الأخرى ، شعرها الحالك مبعثر فوق خديها ، تتأملنى فى المرآة المقابلة ، أما أنا فتنبهت على همس أنفاسها المنتظمة بعد أن خدرنى عطرها الجورى ، أنفاسها المهدجة نبهتنى لإزاحة شعرها عن خديها المتوردين كخد زهرة ، ليغرينى بطبع قبلة جديده عليها ، استشاطت لها أنفاسها ، فأطلقت آهة جازمة ، فزعت إلى .. ارتمت على صدرى من جديد لتوقف العاصفة .



وأى عاصفة تهدأ مع الأيام .. وكم من الأيام مرت هبت عليها عواصف الحب العارمة فأخذت معها كل شيئ .. قلبى وعقلى ووجدانى ، وكم من الليالى مرت على هذا الحال كالحلم الجميل الذى لاأريد أن أفيق منه . ماأجمل لحظات الحب التى انستنا الغذاء ، وأنستنا أنفسنا ، وانستنا كل شيئ . لم أدر بنفسى إلا على صوتها : عصام لقد غفوت عن إعداد الطعام ، قلت لها : بل أنت طعامى الذى لن أشبع منه أبدا ، وعلى كل يكفينى قطعة من علبة الشيكولاتة ، ثم هممت بإحضارها ووضعتها بين يديها ، أخذتها وقبضت على طرفى العلبة ورفعت غطاءها وتفحصت محتوياتها باهتمام شديد ، فوجدت قطعا من الشيكولاتة مصفوفة بكل أناقة ، لمعت عيناها وغمرتها فرحة طفل محروم ، ثم أخذت واحدة منها وأطبقت عليها بشفتيها وقضمت نصفها ومدت يدها بالنصف الآخرإلى فمى ، كانت أناملها تهتز كأنها غصن بان ضعيف ، اغمضت عينيها مستمتعة ، واستسلمت للذة الشيكولاتة حتى تذوب فى فمها . لم تشأ أن تفتح عينيها حيث أصرت على بقائهما مغمضين وقالت مهمهة : ها أين المفاجأة التى وعدتنى إياها ، إننى أتوق لما تحمله لى من مفاجأت كنت انتظرها منذ ألاف الأعوام ، فقلت لها : فلتبق هكذا مغمضة العينين اللتين طالما غصت فى بحورهما ، ومع ذلك كنت فيهما أغرق .. أغرق .. أغرق ، كنت الغارق الوحيد وانتشالى منك لايمنحنى حياة ، فتمنيت أن أغوص أكثر وأعمق ، لأننى كلما غصت فيك سيُمنح لى عمر جديد هو لك وسيبدأ من اليوم ، بل من الليلة ، بل من الأن . ثم استأذنتها بلحظة واحدة أخرى تبقى فيها مغمضة ، ورحت أدس يدى فى جيبى وأخرجت منه العقد وطوقت به عنقها الجميل ، وقلت لها  الأن يمكنك فتح عينيك ، ففتحتهما وهى تتحسس العقد بأناملها علا وجهها اشراقة متهللة غمرتها وفاضت ، بيد أن الفرحة تلاشت فجأة وبادرتنى معاتبة : لماذا كلفت نفسك ياعصام ، قلت لها : كان لابد أن أحس بطعم أجمل لحظات عمرنا ، هى هذه اللحظة ، قالت : ليس بالضرورة أن تحضر لى عقدا غاليا بهذا الشكل ، قاطعتها : هاميس لابد أن تعلمى أن ثمن العقد عندما كان فى يدى كان مجرد أموال مثل أى أموال ، ولكن عندما تحولت لعقد على صدرك أصبح حلما تحقق لى ، صحيح أنه ليس كحُليك الملكية التى تمتلكينها ، ولكن هذا العقد وأنت ترتدينه يساوى عندى الدنيا ومافيها ، قالت : عصام هل تعلم كم أنا أحبك ؟ قلت لها : كم ؟ قالت : إننى أحبك حبا جارفا بشعور لم يمر على فى حياتى الماضية كلها ، حبا لايعرفه البشر، حبا كبيرا أضعف أمامه ، ولكنى أقوى به ، وأكون أكثر قوة فى حمايته ، والحب عند المرأة قد يختلف عن الرجل ، فالرجل قد يضعف أمام إمرأة جميلة ، ولكن المرأة لاتضعف إلا أمام حب حقيقى قوى وصادق مثل حبى لك ، إن اليوم الذى لم أرك فيه أموت مائة مرة ، الكلمة على لسانى تموت ، الضحكة فى قلبى تموت ، الدنيا من حولى تموت ، إنما شيئ واحد فقط هو الذى يجعلنى أعيش ، فقلت لها : ماهو ؟ قالت والدموع تغالبها : عندما أرى الحلم الكبير فى حياتى يضيئ الدنيا من حولى ، الحلم هو أنت .. أنت ياعصام ،  ثم فاجأتنى : عصام  أرجو ألاتزعجك كثرة دموعى ، لإننى  لازلت خائفة ولاأعرف لماذا ، فرددت فى استغراب شديد : ما الذى يزعجك ونحن على أعتاب الفرح والهناء ، قالت : إننى خائفة من جم السعادة التى بدأت تباشيرها تترى أمامى ، خائفة من هواجس لاأعرفها ، تتملكنى بين الحين والأخر تهبط على قلبى تجثمه وتهدده ، قد يكون متعلقا بمصيرى بعد أن نرتبط وماستواجهه أنت من أهلى وهم الأكثر بطشا ، والأكبر قوة ومنعة ، خائفة من يوم تصحو فيه من النوم ولاتجدنى بجوارك وأكون قد غادرتك جبرا ، ولن تستطيع أن ترانى مرة أخرى ولم يكن بمقدورى العودة ، لاأريد أن تقول عنى مرة أخرى بأننى خدعتك ، وهذا أكثر ما يرهقنى ويرهق تفكيرى حتى لاأضعك فى هذا الموقف ثانية ، لذلك خلصت بل قررت أن أترك القرار بيدك وسأجازف معك فى مسألة الارتباط لأن فيه سعادتى ، ولكن ماذا عن المستقبل ، كيف سيكون ؟ وماذا سيحدث لنا فيه ؟ لاأعرف ، خاصة وأنا قليلة الحيلة فى حياة لاأستطيع أن أعيش فيها بدونك ولاأعرف عنها شيئا ، هل سنستطيع أن نتجنب مشكلات لاطائل لك بها ستواجهنا بالضرورة ؟ ولو فُرض أننا سننجح فى الهروب منها ، كيف ستواجه أنت المجتمع والناس ، كيف ستواجه الأهل والجيران ؟ وماذا ستقول لهم عنى ؟  قلت لها : ماذا تتوقعين ؟ هل تتوقعين أننى أرى أن كل هذا كان مجرد حلم من أحلام اليقظة تتمناها النفس ولا تتحقق، أو كنت  أخدع روحى وأنت أمامى ، أو أعيش حالة من النزوة أو الجنون المؤقت الذى لايفضى لشيئ ، وأننى حتما سأفيق ، إنى أؤكد لك إن حياتى لن ترتد أبدا للماضى ، ولن أسمح لنفسى أن أقتل حبى بيدى ، إننى تعودت عليك ولن أترك أحدا مهما كان أن يأخذك منى ، سأواجه الدنيا كلها من أجلك ومن أجل حبنا ، هاميس أنت تسألين رجلا لم يعرف معنى الحب إلا على يدك ، وسأكون كاذبا مع نفسى ومعك إذا أنكرت أننى أشعر بشوق لايوصف حتى وأنت أمامى ، إن حياتى معك مهما كانت سلبياتها ومشاكلها ومخاطرها ستكون شيئا فريدا . اضطربت هاميس وارتعشت يداها وانتفض قلبها انتفاضا شديدا لم تستطع معه أن تسترد أنفاسها وراحت تنظر لى مكفهرة الوجه : إننى سأسألك سؤالا محددا وتجاوبنى عليه بمنتهى الصراحة هل ستقبل أن تعيش معى بعد الذى قلته لك وهل ستقدر على ذلك ؟ أعرف أن دنياى غير دنياك و حياتى غير حياتك ، هل تريدنى بمشاكلى وكل ظروفى ؟ وهل ستقبل بأى متغيرات قد تحدث ؟ أنا عن نفسى سأرضى بالقليل من أجل حبنا ومن أجل إسعادك فقط ، سأرضى بأن تخصص لى جزءا صغيرا من حياتك ، وأنا لاأطمع فى أكثر من هذا ، وسأتقبل كل شروطك وأتقيد بكل رغباتك وسأتأقلم مع كل أوضاعك . أرجوك  فكر طويلا قبل أن تجيبنى ، وساعدنى فإجابتك سيتوقف عليها مصيرى معك ، قلت لها : أى شروط التى تتكلمين عنها ، الحب ليس له شروط ولا حدود ، وكيف أفكرفى شيئ انتهينا منه وأخذنا قرارا فيه ، هاميس لم كل هذا وأنت تعلمين كم أنا أحبك ، قلبك زنزانتى ، حبست نفسى فيها بإرادتى لأن حبك كان هو اختيارى الوحيد ، لاترتاح أحداقى إلا على أحلام تنثال من أحلام هو أنت . قالت : حبيبى أه لو تعرف كم أنا أحبك ، لقد كدت أنسى طعم الحب حتى جاءت عيناك لتضمد كل جروحى التى تركت أثرا فى قلبى وكيانى ، صحيح قد تكون اندملت فى جسدى ولكنها تركت ندوبا وأطلالا فى احساسى ومشاعرى حملتها لى ذاكرة الزمن كانت تنغص على حياتى ، فجئت أنت لتقلب لى موازين حياتى بعد أن كنت قد رضيت بها مستقرة ، وتسربت لى من كل شيئ ، وتغلغلت بين جوانحى وثنايا روحى ، حاولت طردك فتكسرت كل راياتى ، وحاولت البعد عنك فكانت كل خلاياى تهتز كلما أنظر فيها لعينيك أوأسمع فيها صوتك ، كنت أريد أن أمارس معك لعبة الجلاد ، ولكننى كنت أحس باللسع على كيانى وروحى ، كنت أعتقد أن المتعة الحقيقية فى حيرتك حتى أستعذب عذابك فى حبى وتكون أكثر احتياجا لقلبى الذى يعشقك ، ولكننى وجدت عذابك أهون من لهفتى عليك ، وأسهل وأخف من غرسك فى قلبى ؟ لست أدرى كيف تغلغل نصلك إلى هذا العمق فى روحى حتى أكتشف كيف أذوب فيك شوقا ، وتتوق نفسى لأجمل صورة عندما ينام رأسى على صدرك بخضوع جميل ، وعندما تنام يدى براحة يدك الدافئة ، أنسى الخوف الذى اكتنف حياتى وأطلق أحلام العمر المختزنة فى عمق الزمان ووحشة المكان لتر النور من جديد ، هكذا أنا ياحبيبى تصورت كما قال لى أهلى أن البعد عنك سيحيمى من الألم ، ولكننى أكتشفت أن الهروب منك هو الألم ، والاستسلام خلاص منه ، هل استوعبت الأن ماالذى دفعنى إلى الفرار منهم ؟ لأننى أيقنت أن الهروب منك وإليك كلاهما مر ، فكان أفضل لى أن أهرب إليك ، وهرعت إليك هروعا مجازفة حتى لاأفكر فيما سيأتى فأثبط ، وجئت إليك وأصبحت أكثر قلقا وأشد خوفا على حبنا وعليك من المجهول الذى لاأعرفه وينغص على حياتى . ويجعلنى أشعر به يهدد كل إحساس جميل أحمله لك ، إن أحساسى الغامض يجعلنى فى حالة ترقب شديدة على سعادتى التى تسبقنى بخطوات كبيرة ، أريد ألا أراها تسقط أمامى وألا يغدر بى الزمن مرة أخرى ، أريد ألا اتحسر على حبى ، بل أريد أن أكمن فيك ، ومن العيون أسبح لدنياك ، أريد المرفأ ، لقد تعبت من الابحار وسط الغيوم ، ومادمنا اتفقنا على تجاوز المخاوف والسعى لدنيا السعادة التى أراها أمامى وهى تجسد كل معانى الفرح ،  فإننى أزداد شوقا على شوق ، وأريد استعجال الوقت واختصار الزمن ،هل قدرت الأن معنى تضحيتى من أجلك ؟ وكيف حسمت موقفى منها بلا تردد بعد القيود التى كبلتنى وفرضت نفسها على فرضا ؟ فتركت أهلى وتجاوزت كل نواميس حياتى ، أظن أنك دريت الأن كم أنا أحبك ، قلت لها : وهل قدرتى أيضا كم أنا أحبك ؟! إنها أجمل لحظة فى حياتى .. لحظة المكاشفة .. لحظة الإذعان والإستسلام والخضوع لإرادة الحب من طرفين .. هما أنا وأنت ، إنه الحب الذى لايستطيع أحد أن يمنحه لأحد بل هو الذى يختار على من سيهبط .. وعلى من سيبقى .. وعلى من سيعيش ، إنها لحظة تساوى عمرا ، فليس أقل من أننا نخاف عليه ، لأنه كان وسيبقى منطلقا لسعادتنا .




ساد الصمت لحظات اختلطت فيه مشاعر شتى ، الحب والخوف والاستسلام الجميل ، لحظات الخضوع لسلطان الحب ، استلهمت منها أن أدس يدى فى جيبى مرة أخرى ، ولكن هذه المرة كى أخرج الدبلتين ، تهلل وجهها فرحا وتقربت منى أكثر وأولتنى الكثير من عطفها وأغدقت على ماتملك من حنان وهى تستقبل رباط العمر أمسكت يدى وألبستنى دبلتها ، ثم أعطتنى يدها دون إرادة منها وكأنها تسعى لتكبيلها فى طوق حياتى .. ألبستها دبلتى ، تعلقت عيناها بأهدابى بنظرة كانت الأجمل ، حيث شع منهما ضياء غريب لم أره من قبل ، ليس هناك أجمل من أننى أرى بريق عينيها وهى تحس أن الدنيا لاتسع أمانيها وأحلامها من الفرحة الطاغية ، فبدت عليها نواجز الفرحة المغتبطة دفعا بكل ما أوتيت من سعادة ، كل هذا أعطاها إحساسا بأن الحياة مقبلة عليها ، بل دنت منها أكثر فأكثر ، وتصورت ليلة زواجنا وكيف ستكون ليلة من ليالى العمر مليئة بالمباهج والسرور ، إنه اليوم التى سوف تختال فيه كأميرة تجلس بين الجوارى والوصائف ومن حواليها القيان والحسان اللائى تحطن بها كما تحيط الهالة بالبدر فى كبد السماء ، يتماوجن فينثرن الفتنة والجمال ، وينفثن السحر فى المكان بعذوبة الغناء وجمال الرقصات ، فى جو مبهج تنتظر فيه فارس أحلامها الذى سيحيلها إلى عالم أخر ترى فيه النور وقد امتزج بحنين الشوق داخلها ، ذلك ماكانت تتمناه وتضمره طيلة عمرها الممتد عبر عقود طويلة تعبت من عدها ، يالها من ساعات هى أجمل مافى العمر . أغمضت هاميس عينيها ولاحت فى مخيلتها كل ماتكبدته فى سبيل شعورها بالسعادة ، تسارعت الصور فى مخيلتها وتذكرت كل الأوقات العصيبة التى قضتها وهى تدافع عن حبها ، وتذكرت أيضا كل الأوقات التى قضتها معى فى حلم جميل تريد ألا تفيق منه ، ثم تنبهت من حالة السرحان المفاجئة وأخذت تذكرنى بكل المواقف والطرائف التى تعرضنا لها ونحن فى أوج السعادة التى اكتمل شذاها بهذه الليلة .. إنها الأجمل من ليالى العمر .. ليلة كأنها من ليالى ألف ليلة وليلة الساحرة .
                





أفقنا من حالة النشوى العميقة والعود من أبعد مكان للخيال على سؤالها : ها ماذا ستفعل بعد ذلك ؟ قلت لها : غدا سأحدد موعد الزفاف وأحضر المأذون كى نعقد القران . وغمرتنا الفرحة التى امتدت إلى عمق الليل ، نتكلم ونغنى معا : حاجة غريبة الدنيا لها طعم جديد .. حاجة غريبة أنا حاسس إن دى يوم عيد ، وأنا حاسة الدنيا هربانة ويانا فى ليل كله سعادة ، علشان إحنا مع بعضينا ولاحدش بيطل علينا غير فرحة قلبينا وعنينا . سرنى هذا الذى أراه وأعيشه وهدهد قلبى المنتشى بعطر الحب ، وكنت دائما أشعر بأننى لم أقل لها كل ماأريد ، ولكننى الأن ، قلت كل شيئ بعد أن أبدت لى تخوفها على حبنا الكبير ، قلته بنظرات العيون الصامتة ، بخلجات القلب الفاضحة ، بمعانى مختزنة لم أجد لها كلمات : تعرفى ياهاميس قبل أن أراك لم يكن لدى إحساس بأى شيئ ، إنما الأن كل شيئ أصبح له طعم ومعنى . تلفتت نحوى وراحت تتطلع بروح جديدة تملؤها البهجة والغبطة وقد تسلل القمر لوجهها عبر النافذة فأناره وأحاله إلى زهرة يانعة متفتحة وقالت : نعم إننى أعيش احساسك ، احس وكأننا ملكنا الدنيا ، وأصبح كل شيئ فيها يتجاوب معنا .. الحب يتجاوب .. الطبيعة تتجاوب ، انظر إلى السماء لتر كيف صفت وتألقت وهى تناجى أشعة القمرالفضية المنسدلة على كل أرجاء الدنيا ، وانظر كيف استجابت الطبيعة لنداءاتها وضحكاتها المرسلة عبر نورالبهجة وفتنة الربيع ، انظر كيف تجاوبت له ورود العشق كلما قبلها القمر ، وهبت عليها أنفاس الليل ومسها لفح النسيم برفق وداعبها بأنفاسه ، انظر كيف تألقت وازدهرت أغصانها المترنحة بأطيابها  ، وراحت فى الليل تتضوع مسكا وعطرا . إن إحساسى بهذه الليلة غريب الأطوار ، رغم الشعور بالخوف والقلق إلا أننى أراه يذاب فى لحظة واحدة من سعادتنا المقيمة وحبنا المستدام .. وكأن الحب قوة قاهرة تأخذ أمامها كل مايعكر صفونا ، جبروت مفعم بشعور جميل لم أعهده من قبل ولا أعرفه ، قمة من النشوى والهُيام لم أصادف مثله فى حياتنا  . قلت لها : هاميس يكفى فى وجودك أن أشعر بجمال الكون ، وأشعر بقيمة الحب وأرى انعكاساته على كل شيئ فى الوجود ، بل على حياتى كلها ، لو كان هذا حلما لتمنينا أن يطول حتى نظل نحلم طول العمر .




وذهبنا للنوم ، ولم ننم ، حرمتنا سعادتنا الطاغية من أى إغفاءة ، أنا شغلنى الفكر بقدوم السويعات التاليات لليوم الذى قارب صباحه الوليد على الاستشراق ، فلازال أمامى مهام كبيرة ، أما هاميس فقد تنفست الصعداء  بعد حديثنا المتناثر فى كل اتجاه ، وراحت تستعيده بداخلها ، فلم يمكنها من النوم ، حيث أخذ الشعور باليقين إلى قلبها بأن أحلامها وآمالها بدأت تتحول إلى حقائق حلوة جميلة ستملأ بها كل أرجاء دنياها الخصبة إخضرارا بعد أن أصابها البوار دهورا ، وأخذت تحدث نفسها وكأنها تحدثنى : إننى سأجد نفسى فى عهودك ، سأتخطى بك سنوات الألم ، وعهود مابعد الطعنات ، والدهور المحصنة بالصفعات ، الأن وجدت الحب ، جاءنى من أوسع أبوابه ليُسقط الجدران العالية المنيعة التى أحجبت عنى السعادة أزمانا وأزمان ، الأن هوت وانقشع الواحد تلو الأخر ، إنه سطو الحب وسحره الذى لايقدر عليه أحد ، ولايخضع لمنطق الأشياء . الأن سأكون معك إنسانة أخرى .. إنسانة جديدة تنسف الذكرى فلا يبقى منها أثر ، وسأتعود على عالمك ، لأننى سأولد فيه من جديد . ولفنا رداء الفجر الندى بجمال ورقة نسماته لإشراقة يوم جميل من أيام وليالى القاهرة الساحرة ، وغفونا إغفاءة الورود انطلقنا فيها لدنيا الأحلام .
                            
                                      
   وإلى اللقاء مع الجزء الثامن
 القاهرة فى فبراير 2015  
                                      مع خالص تحياتى : عصـــام