music

السبت، 14 مايو 2016

تأملات جدارية


هاهى مقبرتها
متشحة بصورها
المرسومة على الجدار
كأنها مرسم
ولزوارها دار
يتفقدها كل سائح ومار 
أغرتنى فيها فتنتها
وملكتنى بهيبتها
وهى على المسبح 
تغتسل بضوء النهار 
وتجفف بشرتها للمساء
وتدهن بالطيب كل ارتباطاتها 
وتحلم بالفارس المغوار
ثم تقف بين العصبة للاختيار
واثقة من نفسها
قابلة للتحدى
لايهمها أى اختبار 
فهى جميلة الجميلات 
ستفوز بالقُربات
وتقدم العطاءات
وتؤثرالفداء





حتى اختيرت لسكة
من مشى فيها راح
فانعقدت على شرفها الأفراح 
على شاطيئى الوادى الوتين
ينادونها من بعيد 
حلم النهر .. عروس النيل ..
أو أميرة الرواح
فأنت أجمل فتاة فى المدينة
وأرقى أنثى على البسيطة
جامعة المعية وفلقة الإصباح
وأى فخر لك
لفتاة مثلك بسيطة
تصبحين عما قليل
ملكة مليحة
لكن وآسفاه
ستصبحين وحيدة
وعن الناس بعيدة
ملكة على عرش وهم
لايدوم ..
وأيامه قليلة




هناك فى أقصى اليمين
وقفت العُصبة لك مصطفين
وللمشاعل حاملين
يتمتمون بأغانى مبللة
وبنداء الأساطير المهلهلة 
واصفين الموكب الرهيب
وفرمانات الكهنة المرسلة
والقينات يصدحن
والراقصات يرقصن
على الموسيقى المعبدية
بشبق وعيون مسبلة
والسدنة على رأس الأشهاد
يُعدِونك للمحفل وأنت مكبلة 
يأتون أمامك ويقفون
وعلى رأسك يتوجون
تاجا برأس أفعى حفيفة
عيناها من الياقوت
رمز الرفعة والخلود
وعلى هامتك تُوضع خفيفة 
ويضعون بيدك صولجانا
بمفتاح النيل
لايمنح إلا للمتقلدين
نيل هذا الشرف النبيل
والدرجة العالية الكبيرة  
وليس لغيرعرائس النيل 
أن يبدين فى أبهى زينة
ويظهرن بأجمل ثياب
أرجوانية مطرزة بالزمرد
والرقائق الذهبية الفريدة
بعدها يدقون الطبول
لتدوى فى الآفاق  
معلنة عن قرب
ليلة زفاف تليدة 
قصة العشق الأبدى
كما يرونها .. شفيفة





أراك تَمُرين وحدك
فى لحظة صمت غريبة 
وبعد أن جاوزتِ حشود رهيبة
وقفتى عند الحافة الفسيحة
تنظرين لوجنة الماء كسِيرة
تُتمتمين وتقولين بنبرة حزينة :
كم تمنيتُ
أن أحلق فى آفاقك
وأفرغ نفسى فى سطوحك
سألقيها فى لجتك وسهودك
وسيكون دارى بألف دار
فى دروبك
تقتلع الخوف من أهدابى
كلما نظرت فى عيونك
وأغرس فى قلبى
عشق هواك 
فلتكن لى حبيبا ..
وديعا وأنيسا
وليكن تيارك ..
هادئا وحنونا
وفيضانك ..
قلاعا وحصونا




حتى أدركتكِ لحظة القهر 
حينما اتجهتِ إلى النهر
وكان الوقت منسربا للمغيب
وفى ثبات مهيب
تهادت قدماك إليه
بقلب جادِب كريب
حتى فار التنور
يستقبل ملاذه الفريد  
يحدد تضاريسك   
وفى لحظة انغماس  
يحتضن مفاتِنك  
وبغير التباس  
تتلاشى معالمك  
لترتشفين منه الرحيق
ثم أصبحتِ الحُلم
الحبيبة والعشيقة 
ورحتِ تنشدين
قصة حب شبيبة
بمشاعر لبيبة
وأحاسيس عفيفة
يامعبودى ..
ياحامل زهرة اللوتس
حلو أن نذهب معا
حتى نصل
إلى البراعم والنسيم






أما أنت
فأخذتك العزة بالنفس
تريدها قصة حميمة
فرضت عليها سطواتك العنيفة
ورغائبك السفيهة
رغم أنك فى هواها معذور
تستقبل قصة حبها بجنون
حتى أخذت المآل
بتعال وغرور
تستمرئها كعادتك بسرور
قصص كثيرة
وحكاوى مثيرة
حتى مللت من الخَوَر والفتور
منتظرا حلول العام
وكلما جاء الفيض فى آب
تستنشق هواها  
الغائب عنك شهور
ثم تنثره بقوة ونفور
ينْبَلَج الماء ويفور
ويهرعون منددين
النهر خان وخاب
وخرج عن طوره
بغير حساب
اشتد الفيض
وشب وشاب
ساح فى الوادى 
وساد وسال
اجتاح الأرض ومال
تظل بفعلتك تلف وتدور
وعلى فكرة الخداع
تغضب وتثور
وتظن فيها كل الظنون
وأنها معك ستعيش
مجرد نزوة تمور
يشدها تيارك العنيد
ثم تأتى وتروح بها لبعيد
حتى يحاصرها الممات
تلفظها من لجتك
بكل أنفة وثبات
وهلم المجرة
تظل منتظرا من العام للعام 
فى زمن الجدب فيه عتاب
زيجة كهونتية وحب جريئ
واختيار قلب أخر برئ
يصنعه القدر المشبوح
تنسى فيه مامضى
وتلقى غيك الجديد
فلا أنت النهر العطوف 
ولاكنت تسدى لهن المعروف
متقلب بعنفوان حاد ..
من الأعماق إلى الطفوف
فلا يشعرن معك بالدفء
ولا الشجون
ولايسرى فى قلبهن الحب
كما كانوا يتصورون 
بل تُلقِى فى جسدهن
الرعب والرهبة 
والتوجس الرعون
حالما تطبق عليهن
بجناحك المكسور







وعلى جدار تال
وقف ماقِتُوها بتساو
فى حركة واحدة مصطفين
حتى أقصى البعاد
على شكل فجوات
يعدون أنفسهم للوشايات
يجترون معالم الأسى ..
حاقدين
عشقها للنهر ..
خائفين
من تقلبه المريع
ويرجفون أن الجميلة
للنهر خانت 
وتركته وسابت
ثم تبدين بخطوط ثائرة
منحوتة بيد ماهرة
متقنة غائرة
وأخرى بارزة
وقوفك على الشط  حائرة 
خارجة عن طوعه عارية
تبحثين عن ورقة توت 
تستترين من الشمس ..
الكسوف 
ومن القمر ..
الخسوف
لاعنة لمن يهمسون لك وينظرون
متحدية أنك للحب أعطيت مدا وقرون
وتمنيتين أن يتبدل الزمن بزمان
وتخرجين من عباءة النسيان
لتلحقين بالمريدين
وبفيض النسيم
قصة حب فى نيسان
يوم أن يعبق بالربيع
ويضج بالأريج
فيض واشتهاءات






سرنى مارأيت وتألمت
وفى ذات الوقت تمنيت
أن تضم الجُدر حكاوينا  
وفى دقة متناهية غناوينا
وكل قصص الحب الجميلة
فى رسومات ونحوت جريئة
وكلمات منقولة من تخوت
العباقرة والأنظمة الجليلة
أسلوبها يحمل أجمل صياغة
بطابع الفن الشَفُوق
والكتابة الرقيقة
تتسم بالتلقائية والروعة
والنزعة الإنسانية العالية
الرشيقة
وتؤكد قيمتها الأدبية
جذورها العريقة
من صنع التاريخ المصرى
بقيمه السامية القديرة



ملأنى كل هذا الشعور بالفخار
أن الزمان أنصفنى ليل نهار
حينما صادفت إمرأة ..
فى كامل صحوتها
وتملك مكامن صبوتها
إمرأة من زمن الحب الجميل
لم تكن إمرأة عادية ..
بل مرشدة وعلى الحب دليل
لقيمة الوفاء والعطاء
مرافقة لعالم جديد
يسحرالقلوب
وينشره فى الفضاء الفسيح
يجلب معه الشدو والآهات
ويجذب الأحاسيس
تنصهر فيها المشاعر والجراح
يُحكى فيها  
كيف أوقعتنى فى غرامها 
ورأيت فى عينيها هيامها
وازداد يوما بعد يوم
أحساسى بلهفتها
واختيارها لمكانتها
عند شاطئ النيل
عندما رافقتها الجلوس
بوجه باسم
بلا ضيق أوعبوس
انحنت له الشجيرات
تعودن أن تسمعن الحكايات
ونحن نلقنها للشمس
قبل غرقها فى المغيب  
ونسترجعها مع القمر
قبل أن يصدح بالنشيج
حائرة ..
كبت مشاعرها أن تشيع
خائفة ..
مجد آبائها أن يضيع






حتى تلاشت
فى وقت سريع
فتصورت يومها
معاقبتى بالغياب
من باب التلاعب
بالمشاعر والمُهاب
والعبث بحبى لها
وكثرة البعد المُدام
ورحت أبحث عنها
فى كل مكان
مشطت كل الطرقات
التى كانت لنا فيها وقفات
أبحث عن امرأة
لم يكن لها عنوان 
ظلتُ أبحث عنها
أياما وشهور
فى جد بلا هوان
كان شعورى وقتئذ
أن كبريائى يحترق
ماأَكْتَرَث وترك وخان
وبعد طول غياب
دنا الوقت وحان
وقعت عينى عليها
فتصاعدت أنفاسى وشاطت
وذكرتها بالذى كان
بكت بحرارة ولم تشأ
تسألنى فى آن
إلا بالبكاء والعتاب
حتى فرغت فى ثوان 
سبب الهجر والحرمان
وجاءت هاربة من أجلى
رغم قيود الأحزان
والأسر والإحكام 
فألجمنى ماقالت
ولم أنطق
من إحساسى بالغثيان
ورحت أتفحص ملامحها
بكل لهفة وحنان
بتفحص المتوتر الخجلان
يدارى عينه فى العيدان
خشية العائد الندمان
يتوارى من الأهل والخِلان









ورحت أقف على بابها بتأنى
تحاصرنى أفكارى بالتمنى
أرهف السمع على إشارة تأتى
أو بارقة تضيئ
تمتص من الزهر الرحيق
تفترع السماء 
لتنبئ عن موكب ملكى
قَرُبَ على المجيئ
وأنا كغيرى
منتظر أن يحين
ونادى المنادى :
ملكة النهر الجميلة قد أتت
فلتهيأوا وتأهبوا للمحفل البَدِين
يامن أحبوها وقصدوا ساحتها
فهاهى وسط وطن بأكمله تسير
وستختار للحب من بينكم أسير
الرفاق فى غمرتهم يتسألون
أهذا وطن أم إمرأة
ضج بوجهها الأديم
لجسد ممشوق
من الحسن القويم
ثم جاء وقت
سكتت الثُلَّة فيه    
وفزعنا السكون
كى تختار حبيبها
ياتُرى من سيكون
حتى تلاشت المساحات
بينها وبيننا حد الإنحسار
تأهبت لتأوى إليه متئدة
سابحة فى المدار
ساطعة كالنهار
من طلعة الندى
حتى وقت الأصيل
لعلها تشارف حد السماء
تبسط بين يد من تحب 
هوى العشاق
حتى أبصرتنى من الجموع 
فهوت مسرعة المروق
دنت منى وسكنت إلىّ 
وذابت فى العروق
وتعالت الهتافات
وصرنا أقرباء
وشربنا نخب الأحباء
وضحكنا حتى البكاء
أن مابيننا ليس نزوا
ولامحض اشتهاء
ولكنه الأثير
جمعنا لحظة انجذاب
فيه الحب وفيه الوفاء
وعشنا أياما وليالى
حتى بلغنا حد الأرتواء
من الوهج السديم
ثم رمقنا مهدم اللذات
ومفرق النديم
وانسرب من حبنا الحياة
كان ريا لظمأ قديم
ترقرق بأنسها الحميم
خضراء باسقة
كالعود القويم
وياعجب الدنيا
لم يعد كل ذلك الأن يفيد
فقدر الدنيا واقع
حتى ولو بلغت الأمانى
مد سنين
فلاعادت الأحلام تجذبنى
ولا أنا لها أسير .











وانتهت قراءتى للجدر
وخرجت إلى حال سبيل
مكلوما يخزنى حزنى العليل
باسط فكرى يد المدى
على قلوب الردى
راضيا من الجدب القليل
كى يأتى بتَبَاهى الكلم
لقصة حب
انسرب منها الخليل .


مع خالص تحياتى : عصام
القاهرة فى مايو 2016