music

السبت، 19 سبتمبر 2020

هذا الرجل أعرفه



مرت علينا سنين طويلة منذ أن التقيت به أول مرة .. رحلة كفاح مابين الزمالة والصداقة والأخوة ، كنا لا نحرم أنفسنا من عمل أى شيئ يروق لنا سواء كان داخل العمل أو خارجه ، صنعنا لأنفسنا سياجا وضعنا فيه كل أحلامنا وأمانينا وطموحاتنا ، تحدينا أنفسنا باجتهادنا ودأبنا على معرفة أدق تفاصيل عملنا الذى كان يتطلب منا أن نغوص فيه ونعيش فى أعماقه من خلال أدق تفاصيله مابين حضور الجلسات ومتابعتها واستخدام أدواتها الذهنية واللائحية والدستورية حتى أصبحنا فيه وبلا فخر أمهر صُناعه ، إنه صديق الكفاح الذى كان يعمل فى صمت ، صاحب الباع الطويل فى تحرير مضابط الجلسات صلاح عصر .. عرفته إنسانا، رأيت فيه الشخصية المتزنة المريحة ، التى تجد عنده راحة النفس والسكينة كلما تجلس إليه فتتيقن أنك أمام شخص غير عادى ، وتشعر بأن قسوة الحياة بالنسبة له ليست فى قدرته على التحمل ولا فى تلقيه وتعلمه فنيات العمل ولادبلوماسية التعامل مع الزملاء ، وإنما فى آفة الناس واستصغار المشاعر والولوج لدهاليز مكاتب الكبار ذلك ماكان يحيد عنه ويتجنبه ، فكان شعوره الدائم بأنه لم يكن صاحب حظ ، رغم أنه كان يتحلى بدبلوماسية الحوار الراقى وشياكة التعامل ولكن مع الذين لاتربطهم به أية مصالح . يقدس المبادئ لدرجة استعداده أن يضحى من أجلها بأى شيئ أو بكل شيئ من أجل شيئ قد لا يعرف مصيره ولايفكر فى عواقبه ، فهو يعيش كما تربى ، تربيته الريفية البسيطة التى علمته الصبر والتؤدة والحياء والنقاء وحب الناس ، كما علمته أيضا ألايحمل بداخله ضغائن ولا أحقاد لأحد حتى صار الكل يحبونه . أقل شيئ يرضيه ويجعله منتشيا ، وعندما يثور ويغلب عليه التوتر ، لايتسرع وينتظر حتى ينفض عن نفسه هذا الاحساس ويهدأ فلا يتمكن منه الغضب البتة . وأنه يعلم تماما إمكانات نفسه فكان لماحا .. يملك سرعة بديهة فى اكتساب المهارات والتقاط المعلومات ، لديه من الكياسة والفطنة وبشاشة الوجه فلاتستطيع أن تنظر إليه وتتأمل أحاديثه المسترسلة العذبة التى كان يرسلها ببسط الكلمات إلا وترى وجهه يفتر عن ابتسامة رضا ، حتى إذا ماغلبتنا المواقف الضاحكة تأخذنا فوبيا الضحك فيصير ضاحكا لدرجة البكاء ، رغم تغضن وجهه إذا ماشعر بأنه فى موقف حرج لايحسد عليه ، ولكن سرعان ماتجده يستبسل استبسالا مضنيا فى حرصه التام على اخفاء هذا التغضن حتى لايصلك منه إلا مشاعره الطيبة فقط .


هذا هو صلاح عصر ..علم من أعلام العمل البرلمانى المضنى ، إنه مثل المخطوط القديم النادر فى مكتبة ذاخرة عامرة بأمهات الكتب ، فهو بالنسبة لرجالات أمانة الجلسات أثمن كتبها لسعة مداركه وأعزها لندرته واحسنها لموضوعيته ، حتى بلغ مابلغه من تميز وفطنة العمل ووصل ماوصل إليه من قدرات خاصة ميزته عن كل أقرانه ، فاعتلى قمة هذا العمل بلامنافس .



إننى لاأدرى هل أهنيأه على وصوله لتمام عمله وبلوغه مرحلة الكمال النفسى والانضباط التقنى فى عمله ، أم أنعى هذه الخبرة التى ستذهب جفاء وهى لازالت فى قمة عطائها وقدرتها على تأهيل الغير وسيكون فى هذه الحالة المجلس هو الخاسر الوحيد ، ولكن مادامت الدنيا ، فلكل شيئ إذا ماتم نقصان ، والثمار إذا مانضجت طاب قطافها ، ولكل شيئ نهاية ، ولكن مع صلاح ستكون بداية جديدة بإذن الله تعالى لحياة جديدة سينعم بها بالاستقرار مع أهل بيته وعزوته وذوية وأحبابه .

















 

القاهرة فى فبراير 2020