music

الثلاثاء، 21 مايو 2013

وفاء إيزيس وعودة هاميس ( الجزء الأول )

" وفاء إيزيس وعودة هاميس "


الوفاء والحب هما وجهان لعملة واحدة ، فكلاهما من مكون واحد لو تحقق الحب وكان صادقا وعميقا تحول للإحساس الأكثر صدقا والأعمق فهما وتقديرا لقيمته الكبيرة ومردوده لدى الأخر ، وعند تحقيق الوفاء فى الحب يصبح الحب مقدسا ورائعا وضروريا من أجل استمرار الحياة مضيئة ومشرقة ، ووقئذ لامجال لوجود الأنانية والحقد والكراهية . لاأعرف كيف قفزت إلى ذهنى فكرة الكتابة تحت هذا العنوان ، والكلام فيه ، ولكن هو ارتباط بما يدورفى  ذهنى عن قيمة الوفاء فى حياتنا ، والحق لم أجد تجسيدا لمعنى الوفاء بقدر ماوجدته عند القدماء المصريين ، وتحديدا الحياة الفرعونية المصرية القديمة .. ربما لقداسة الحب وتقدير الرجل للمرأة ، وهذا ماأكدته النقوش والرسومات على جدران المعابد الفرعونية والبرديات ، حيث كانت رمزا للخصب والعطاء ، فالمتتبع للحضارة الفرعونية  القديمة ، يجد أنها لم تعط الرجل كل الحق وكل سلطان بقدر ماأعطته للمرأة لسمو ورفعة مكانتها ، فكانت تحظى برعاية خاصة حيث تمتعت بحرية حركة الآلهة ، وكان العقد الاجتماعى المقدس مستمدا من فكرة العدل والمساواة والمشاركة والوفاء والإخلاص والتفانى والحب ، كانت للمرأة النصيب الأكبر فيه ، لذا كانت الحضارة الفرعونية الأولى بين حضارات العالم القديم التى احترمت المرأة  وأعطتها  حقها كاملا ، فكانت تختار زوجها بنفسها وكانت ملكة متوجة في بيتها , تتولى إدارة شئونه  فى غياب الزوج وكانت تشاركه العمل وكان هو بدوره يجزل العطاء لها , ويجعلها تستمتع بكل مايملك ، ففاقت حقوقها عن تلك التى حظيت بها اقرانها في الحضارات القديمة ، فكانت روعة هذه الحضارة بفنونها وآدابها وأديانها حيث كانت أعمق إدراكا للطبيعة وللمرأة أيضا، فإذا فهمت طبيعة الحياة الفرعونية فهمت أيضا طبيعة المرأة المصرية ، فقد ربطتهما معا ، الحياة تعنى أرض معطاءة ، ونيل يجرى فى الوادى الكبير يبدر الخير والمحبة والنماء ، والمرأة تكاثر .. عطاء .. سخاء ومنح ،  كأن عناصر الطبيعة  أودعت سرها فى المرأة هبة ورفعة ، فكانت الأنوثة .. الولادة .. الراعية .. الحنونة من جانب ، والمتقلبة ومتعددة الاشكال والألوان والحالات من جانب آخر ، ولما كانت المرأة يفرد لها المساحات الشاسعة وتمثل كائنا متعدد الأبعاد، لذا كان يتعين الوقوف عندها بعين فاحصة من زاوية هذه الرؤية ، هل نتناولها من الجانب الإنسانى أم من الجانب النفسى أم من الجانب الاجتماعى أم من كل هذا ؟ والحق لم أجد أفضل ولا أمتع من العودة  إلى الرؤية الفنية ، فهى الوحيدة التى تسمح لنا برؤية رومانسية شاملة من  حيث الشكل  والموضوع وتعطى الخلفية لكل الجوانب الحياتية والنفسية للمرأة الفرعونية ،  فضلا عن أنها تعلى من قيمة المشاعر والوجدان ، ليبدو لنا الوجه الأخر من الحب .. وجه العطاء والجود والتضحية وانكار الذات إنه " الوفاء " الذى يكمن فى المرأة بصفة عامة ، والمرأة المصرية بصفة خاصة باعتبارها الامتداد الطبيعى للمرأة الفرعونية التى طالما أعطت ومنحت ووهبت وتفوقت على نفسها فى الكثير من المواقف وأيضا لأننى لم أعرف غيرها .



ولازالت قصة الآلهة إيزيس .. هى النموذج الفريد للحب والوفاء وأفضل من عمق معانى العطاء والجود والتضحية .. تماما كما ذهبت تلك الأسطورة التى تحكى أن إله الأرض وإله السماء كانا زوجين انجبا ولدين : أوزوريس وست ، وبنتين : إيزيس ونفتيس ، حيث تزوج أوزوريس من أخته إيزيس ، وتزوج ست من أخته نفتيس ، وعندما تولى أوزوريس حكم البلاد، كان حكمه عادلا ، فأحبه الناس ، وقد سجلت النقوش أنه منذ أن تسلط أوزوريس على أرض البسيطة من مصر .. رفع عنها الفاقة والحياة الهمجية .. بإرشاده إلى روح الاجتماع وسر الحياة .. فهذب العالم كله .. وأدخل إليه المدنية والتقدم بغير سلاح ، بل بأشرف فنونه وأحلاها .. الأدب .. الموسيقى .. الشعر ، وهكذا تحولت مصر إلى أرض غنية بخيراتها ، الشوارع مستقيمة ، الأنهار تنبع من السماء ، وحيوانات البر تزحف إلى الماء ثم تعود وتصعد إلى الشاطئ ، دون أن تؤذى أحدا .. بل هى نفسها تحظى بقداسة عظيمة ، ليست هناك خلافات بين الناس على شيئ ، فكان أقل مايقال أن أوزوريس أحدث إصلاحات اجتماعية وسياسية كانت أكثر مما كان يحلم الناس وأقل من قدرتهم على تقبلها ، إلا أن الوضع يختلف كثيرا لدى أخيه ، فقد كان ست قبيح الخلقة .. مشروم الشفة تظهر أنيابه منها ، وكان أيضا شريرا .. قاسى القلب .. ميالا أكثر للبغض والكراهية ، ولكنه كان شديد ذكاء العقل ، ومع ذلك كان لايحسن إدارة هذا الذكاء ، وقد عرف الناس عنه هذه الصفات الذميمة ، فكرهوا الميل له ، وعزفوا عنه عزوفا شديدا متجنبين شروره وأحقاده ، وكان يحسون غيرته وكراهيته الشديدة لأخيه ، حيث نال أوزوريس النصيب الأكبر من هذه الكراهية وتلك الأحقاد  وازدات أكثر بإعتلائه حكم البلاد ونشر الحب والسلام بين الناس ، فأخذ ست يدبر له من المكائد ماكان يكره فى كل التعاملات الإنسانية ، فكانت المؤامرات والدسائس للتخلص من أخيه وإزاحته من على عرش مصر ، وواصل دأبا فى صنع الحيل ، حتى هداه ذهنه إلى فكرة إعداد تابوت مرصع بالأحجار الكريمة ، ودعا رهطا من مقربيه لحفل خاص وبالطبع كان أخاه من بينهم دون أن يدرى مايخبأه له القدر . وفى أثناء الحفل الذى دارت فيه الكؤوس وتاهت فيه الرؤوس قام ست بإعلان مفاجأته على جمع الحضور ، معلنا أن هذا التابوت سيكون من نصيب من يوافق مقاس جسده ، ولشدة جمال وروعة التابوت توالى الجمع من الرجال على الدلوف بداخله لعل وعسى يكون من نصيبه ، حتى أدرك الدور اوزوريس ، وماأن مد جسده بداخله ، حتى أسرع ست وأعوانه فى إحكام إغلاقه ، وألقاه فى مياه النيل ، فحمله تيار الغدر والخيانة إلى البحر المتوسط ، وتولته الأمواج ودفعت به إلى سواحل فينيقيا . انتابت إيزيس حالة من القهر والجنون والحزن الدفين جعلتها لاتكف عن الصراخ الموجوع الداخلى  حول كل مافى قلبها من حب إلى نار اشتعلت فى قلوب كل من أحب أوزوريس ، تلك النار التى طالما اكتوت بها وجدا .. وارتمت فى احضانها عشقا ، اليوم يجتاح قلبها هلعا وروعا وألما ، كما اجتاحت المعمورة من أرض مصر حزنا وأسفا ولوعة ، فتولدت لديها العزيمة .. عزيمة القلب الذى لايعرف اليأس ، وتحجرت الدموع فى مقلتيها بعد أن تحولت لبحيرة فى مخدعها ، وخرجت مدفوعة بجرأة وقوة الحب تبحث عن حبيب العمر وشريك الحياة الذى راح ضحية الغدر والخيانة ، قلبها هو دليلها .. حبها هو عينيها التى تبصره ولاترى غيره ، شجاعتها المنبعثة من كوامنها هى التى جعلتها لا تعرف معنى اليأس البته ، كل هذا كان كافيا لأن تهتدى لجسد حبيبها وشريك عمرها الذى فاضت روحه وأصبح جسدا مسجى أمامها . حملته إلى مصر وخبأته عن أعين الناس ، وأخذت تصلى وتبتهل إلى الله أن يرد لها زوجها ويهب له الحياة مرة أخرى ، وظلت على هذا الحال تدعو وتبكى وتبتهل، حتى استجاب الله لنداءاتها ، وعادت الحياة إلى أوزوريس من جديد . ولكن لم يسعفه الوقت كثيرا فماكاد يبرح مكانه بعد حتى علم ست بعودته مرة أخرى للحياة  فلم ينم له جفن ولاارتاح له بال ولاحال مذ عرف بعودة أخيه ، ولم يهدأ حتى تمكن منه ثانية .. وانتصرت الكراهية ولكن لم يهزم الحب ، يالعجب الدنيا ، لم كل هذه الشرور ولم تقتل الوداعة فى مهدها .. وداعة الحب وجمال الإنسانية  ويدنس الثوب الإنسانى ؟ ويموت الحب وتتحجر القلوب ، إن للحياة شئون ، ولها أيضا منغصات ، وهذا هو سبيلها دائما ، الخير والشر .. متناقضان دائمى التعارك ، موزعان على كل المعانى التى تحكم النفس وتأسرها ، وموزعان أيضا على جموع الخلق من اتجاهات وتصرفات ، بنسب لايعرفها إلا خالقها ، ولانعرف لها سببا ولا نعرف لماذا اقتضت الحياة هذا النحو من الإختلال الإنسانى منذ بزوغ الحياة على أرض البسيطة .. نشر الحب وقتل النفس .. أى حب وغيرة وخير وشر .. عدل وجبروت .. سلام وحرب ، لم يقتل الحب على أرض السلام؟ لم لايدخل الحب قلوب الناس كافة؟ لم الكراهية وقسوة القلب التى حولت ست إلى شيطان فى صورة إنسان ، فسولت له نفسه هذه المرة ذبح أخيه ، وتمزيق جسده إلى قطع صغيرة ألقى بأجزائها فى كل أقاليم مصر ، لتعود اللوعة من جديد لقلب إيزيس ، وينكسر الحب أمام جحافل الطغيان فى القلوب القاسية المتحجرة التى لاتنبض إلا جحودا وكرها ، ويمضى قلب إيزيس الخالد يواجه كل هذا بنبضاته الحزينة وبزفرات الألم التى تمكنت منه ، هو ما دفعها دفعا لرحلة بحث طويلة والخروج مرة أخرى بدأب على تحرى كل شبر من أرض مصر متتبعة نهر النيل بكل فروعه العديدة وجابت الصعيد والدلتا وسيناء ، ولم تهدأ حتى عثرت عليه فى أحراش الدلتا فجمعت أشلائه وعظامه وكل القطع المتناثرة باستثناء قطعة واحدة التهمتها سمكة ، ثم ثبتت تلك القطع برباط من الكتان والشاش ، مبتكرة أول مومياء عرفت فى التاريخ ، وعاودت تراتيلها السحرية مرة أخرى ، ولكن هذه المرة لم تفلح دعواتها ولاتوسلاتها فى إعادة الحياة له من جديد ، ولم يعد أوزوريس .. إنه أبى ألا يعود ، عزف عن العودة وآثر الموت وأصبح يعرف بآلهة الموت بعد أن رفض الحياة والعودة إلى عالم مليئ بالشرور والأحقاد ، ولكنها حملت منه الأمل الطفل حورس عن طريق السحر الذى كانت تمارسه وتتسيده ، وأخفت وليدها عن الأعين حتى قامت على تربيته وأصبح وريثا لعرش والده ، فانتقم له وقتل عمه ست وانهى على براثن الشر وبؤرته الفاسدة وأصبح ملكا على أرباب العالم الأخر فقام ملكه على أساس من العدل وسيادة القانون وانتشر الخير والحق على أرض البسيطة من مصر مرة أخرى ، وانتهت أسطورة الأساطير ، ولكن لم تنته معانيها ، وظلت إيزيس بسحرها على مدى التاريخ عنوانا للوفاء والحب والتضحية والتفانى والعطاء والفداء ، ظلت نموذجا فريدا على مدى الأيام تحمى أسرتها وتحمى الحب أيضا .







وتمرالسنون  والأيام لتؤكد كيف كان حب المرأة المصرية القديمة وانتفاضتها وتفانيها من أجل الحفاظ عليه وعلى قلبها الذى تهبه لمن تحب ، كما كانت تعرف جيدا حقوقه وكيف تسعد به أسرتها ، ومن إيزيس لكليوباترا التى منحت أنطونيو الحب والرعاية والحماية ، وكذلك فعلت أيضا شجرة الدر مع الملك الصالح ، وهكذا نرى المرأة المصرية ترعى الحياة وتلملم الأشلاء وتحمي بذورالحب والرحمة والحق والعدل بوفائها العظيم . وإن كانت الشواهد الأثرية والمخطوطات الفرعونية على البرديات والنقوش على جدران المعابد والمقابر هى الأقوى فى وصف ماهية المرأة الفرعونية ، حيث اجمعت على أنها كانت أول ملكة حكمت من فوق عرش جمالها الذى تميز بجمال استواء الجسم ورشاقة قوامه .. البشرة النضرة الصافية .. العيون الواسعة الجميلة الساحرة ، والشعر النظيف المصفف ، ولها الفضل الأول فى جعل نساء الأرض يتجهون لإظهار جمالهن ليكون سلاحهن الأساسى فى مواجهة تهذيب سيطرة الرجل ومساواتها به دون مبالغة ، كانت تعلم أن النظافة نصف الجمال فكان ذكاؤها أن تحافظ عليه وأن تحرص على الاحتفاظ برائحتها جميلة طوال الوقت، أما النصف الأخر كانت تتفنن فى كيفية صونه وإبرازه ، فقد كانت بحق تجمع بين الأناقة والنظافة والجمال .. كانت لاتشبع من معدتها وإنما من شفتيها والصورة الفرعونية واضحة وتعرف بسهولة من هى المرأة ؟! هى الحبيبة والزوجة والأم والملكة الحاكمة .. هى المحبة للحياة والمتطلعة لمشاركة الرجل .. هى العاشقة التى تترك صدرها عاريا معلنة عن عشقها للحب واستمرار نبضاته متدفقة من قلبها شلالا من العشق والهوى مادامت الحياة لأنه هبة السماء ، حتى وهى ذاهبة للعالم الأخر .. كانت تراها رحلة للخلود .. تستشرف الموت بالحب .. والحب بالموت .. وترى فى الموت عالم أخر.. حياة أبدية تنطلق منها لحياة أرحب رغم مخاوفها من هذا العالم الذى لاتعرف عنه سوى أنه يعج بالأهوال وتحيطه المخاطر .



من هنا جاءت وجهة النظر فى الربط بين أول أسطورة عرفت فى التاريخ " إيزيس وأوزوريس " وأخر أسطورة فى عهود الفراعنة "عروس النيل " المرأة التى ضحت بشبابها الغض من أجل هدف اسمى .. ضحت بقلبها الصغير من أجل حبها الكبير .. لبلدها .. لمصر،  وأى تضحية  تستحقها مصر أكثر من الموت، فمن هى التى ضحت ومن هى التى أعطت ولم تأخذ شيئا ، ومن هى التى ماتت ثم عادت للحياة لتنشر رسالة المحبة والسلام وفاء لقلبها الذى عرف الحب .. الحب فقط ؟ من هى ولماذا وكيف ؟ إنها هاميس .. أخرعروس للنيل .. هامـــــــــــــــــيـس !! من هى هاميس ؟! من!!!!!!!!!!!!!
وإلى ملتقى أخر عند الجزء الثانى
مع تحياتى
عصــــــــــام


 
القاهرة فى مايو 2013



  
 
  
Arous.Al-Neel. فيلم عروس النيل    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق