ماالحب
؟ سؤال كنت أسأله لنفسى كثيرا كلما دخلت في علاقة نسائية جديدة ، نعم كان لى فى شبابى علاقات كثيرة قبل الشروع في الزواج وتربية الأولاد والإنخراط في نسيج الحياة ورتابتها ، أيام كانت لها في حياتى تطلعات
ووهج ، كنت لاأجد حرجا في الحديث معهن عن الحب باعتباره إحساسا نبيلا ومشاعره طيبة ، فهل أنا فعلا كنت وقتها أحب ؟!! أتذكر أيامها أننى كنت احتار كثيرا كلما حاولت أن أجد إجابة أقنع بها
نفسى بأننى أحب ، ومثلى كان يحتار كل أصدقائى وصديقاتى كلما جاءت سيرته ، ورغم ذلك
كانت لأحاديثه متعة كبيرة عندما نفيض فيه ، وماأكثرها أحاديث تجد في نفوسنا هوى ، لأن قلوبنا
كانت تتقاذفه بلهفة وشغف مثلما كان يجد له متسعا فى حديث المحبين ومنسربا عند العاشقين ، ومكانة عند الوالهين
، فالكل يتمناه ويُسعده أن يجربه ويعيش أيامه الدافئة ولياليه الحالمة ورومانسياته العالية ، وكنت أسمع فيه كلاما كثيرا ، كل واحد فى دنيا الحب يستطيع أن يقول مايراه هواه وماتشعر
به نفسه ، فوجدت أن المنظور لرؤية الحب تختلف تماما من شخص لأخر وفقا لواقع
تجاربه الشخصية ، وحتى عند من ينكره أو يتظاهر بإنكاره كان يجد له منطقا وتفسيرات
عقلية تبرر سبب هذا الإنكار احتراما لهذه العاطفة النبيلة لأنه لايمكن إنكارها على الدوام ،
لتكتشف أنك أمام أصعب سؤال يمكن أن توجهه لنفسك أو للأخرين .. فالحب ارتباط إنسانى
وجدانى يخفق له القلب ويهتز له العقل ، وغرائزى فطرى لدى بقية المخلوقات ، فالكل
يريده ويتمناه .. ليست له هوية ولا وطن ولايرتبط بزمان ولا مكان ، وليس حكرا على
أحد ولايستطيع أحد امتلاكه ، فهو الطائر الهائم على وجهه السابح في ملكوت الله بحرية
تامة وانطلاق بلا حدود ، يجوب سماء الدنيا بلا هدى ولاسبيل ، وأهله هم من يهبط
عليهم ، إنه يذهب لمن يجد راحته عندهم ، ويختار من بينهم ماشاء له أن يختار ، ويرحل
عن مالايجد نفسه بينهم ، إذن من الصعب أن نجد تعريفا محددا لماهيته .
قد يتصوره البعض أنه هو كل شيئ فى الوجود ، والبعض الأخر يرى الحب فى العطاء ، فى التضحية ، فى إنكارالذات ، أى أن تعطى أكثر مما تأخذ ، وأن تضحى بسعادتك و تنكر ذاتك طالما هذا يتوقف عليه سعادة الحبيب ، والبعض الأخر يرى أن الحب استحواذ وأنانية فالإنسان الذى يحب لايحب في الحقيقة إلا نفسه وسعادته هو فقط ، ومادام من يحبه سيحقق له السعادة بقربه ، فإنه لهذا يحبه ، وهناك أيضا من لايعترف به مطلقا ، ربما لم يصادفه أو صادفه ولم يغتنمه ، أو مرت عليه تجربته وفشل فيها سواء كانت بالغدر أوالخداع أوالخيانة إلى أخره . وهكذا تختلف الآراء فى مفهوم الحب ، أو المنظور إلى الحب ، أو الظروف التى يمكن أن يعيش فيها الحب ، ولذلك نجد الكثيرين لايهتمون أن يعرفوا ماهية الحب بقدر مايهمهم أن يتذوقوه ويعيشوا حياتهم كلها فيه ، لأن الحب ببساطة عندهم ممارسة وليس فكرا .
ياترى
ما السر فى تلك الكلمة العجيبة التي تتشدق بها شفاه الكثيرين من البشر ، وتكاد
تنخلع لها قلوبهم وتتفتح بها مسام حياتهم وتغريهم ؟ ، إن الذى أعرفه أن الحب يأتي
بالفطرة ، فلا تستطيع أن تقرر أنك ستحب ، ولا تنتظره ، قد تنتظره ولا يأتيك ، ولا
تبحث عنه ، فمهما بحثت عنه فإنك لن تجده .. بل هو الذى سيبحث عنك ويأتيك به القدر
ربما مرة فى زيارة خاطفة ينعش بها أحاسيسك .. أو فى مرة عابرة ينبهك فيها أنك لازلت تحمل قلبا ينبض فتحس
بنبضاته تزيد ويحرك عندك كل السواكن .. وقد يأتيك مرات أخرى فى زيارات أطول تنضج
بها مشاعرك ، بعدها يهبط عليك فجأة ليستقر عندك إلى الأبد . والذى أعرفه أيضا أنه
لايقتصر على مرحلة عمرية معينة ، فقد يأتيك فى مرحلة متقدمة أو في أواسط العمر أو
في مرحلة متأخرة من حياتك فتختلف الرؤية إليه وفقا لنضوجك العقلى واستيعاب قلبك
لتجاربك الحياتية ومدى تفاعلها وتأثيرها على حياة الأخرين ، يومها تستطيع أن تقرر
ماهو الحب من منظورك أنت وتجاربك الشخصية تبعا لقيم وأخلاقيات الأخر مما عرفتهم
وصادفتهم من خلاله ، وتظل تسأل نفسك في كل مرة ومع كل تجربة تصادفك هل هذا هو الحب
أم لا ؟ وهل هناك ألوان أخرى منه ، أى هل هناك أحاسيس ومشاعر أخرى موجودة ومختلفة
عن هذا الذى نحسه ونشعر به ، أم أن الحب إحساس واحد وشعور واحد ؟ ولو أن الحب
احساس وشعور واحد ، فما معنى وجود النزوات والرغبات ، وحب استطلاع الأخر ،
والعلاقات العابرة المثيرة التى لاترقى ولاتندرج تحت أي مسمى وهى حالات تعترى
البعض ويظنون أن مايشعرون به هو الحب ،
لأنها تحمل نفس أعراض ومظاهر الحب ، ثم يكتشفوا بعد ذلك أنه ليس حبا ، كيف عرفوا
ذلك ؟ وكيف نفرق بين الحب الحقيقى والحب غير الحقيقى ؟ .
إذن الحب هو من كل هذه التركيبة الغريبة ومن هذا المزج العجيب الذى لا نستطيع حصره واختزاله فى مفهوم واحد وإلا نكون قد أفسدنا على أنفسنا الكثير من متع الحياة ، لأن الحب مزيج من عناصر حياتية كثيرة تُحس ولاترى ، ولذلك نجد الكثيرين ممن يتشدقون به لايعرفونه ، والقليلون من الناس يملكون هذه العناصر ويصبحون قادرين على تركيبة الوصفة السحرية فى أنفسهم ، هؤلاء هم من يجدون الحب عندهم ، ولو سألتهم كيف تشعرون به سيقولون لك : إنه يحول نبض قلوبهم إلى أجراس توقظ الجسد النائم ، وتطلق الخيال السجين ، وتلون العالم الباهت بألوان الطيف وتشعر بإحساس راق بالجمال .. إحساس يفوق البشر حينما تجد الطرف الأخر الذى يقدر مشاعرك ويفهمك ، فتشعر معه بشيئ غريب يحتويك ويسرى بداخلك ثم يتألق ، بعدها تتغير كل طرق حياتك ليصبح طريقا واحدا تجد فيه من يسير معك ويقاسمك المشوار الطويل مع الأيام ، وكلما مر عليه الزمن تنضج عاطفته ، وتتلاءم مع النفس فى كل مراحل حياتك .. عندئذ تستطيع أن تقول أنك التقيت بالحب الحقيقى ، فلو وصلك هذا الإحساس ، إذن أنت الأن تحب .
مع خالص تحياتى : عصام